karakeb
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

karakeb


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
sokaty
Admin
sokaty


عدد الرسائل : 5121
تاريخ التسجيل : 06/04/2007

المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Empty
مُساهمةموضوع: المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين    المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Icon_minitimeالسبت أغسطس 14, 2010 10:11 pm


إعداد: سليمان بن صفية الجزائري مجستار في الشريعة في المدنة المنورة ام القرى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إنّ من نعم الله الباهرةِ, وحكمه البالغة, أن أكملَ نصابَ هذا الدين, وجعل رسالةَ سيِّدِ المرسلين عامّةً لكافة الثقلين, وأمدّها بأسباب الخلود, وسُبُلِ البقاءِ والصلاحِ إلى يوم الدين.
وإنّ من كمال هذا الدين؛ كمالَ وسائلِ تبليغه, وأساليبَ بلاغه, وشمولها وتنوّعها في خطابها, ومضمونها, ومنهجها.
وإنّ من أعظم خصائص الدعوة الإسلامية؛ شموليتها لكافة شرائح الناس, وطبقاتهم, ومراعاتها لأحوالهم, وبيئاتهم, وطبائعهم, وميولاتهم.

وبناء على هذه الشموليّة؛ نجد الخطاب الدعوي يراعي - في منهجه, ووسائله, وأساليبه, ومضامينه- هذه الفروق, وهذا الاختلاف؛ سعياً لهداية الناس, وإزالة العقبات التي تحول دون وصول مضامين هذا الدين الحنيف إليهم.
ولما كانت نفوسُ أغلبِ الناسِ كثيرةَ الانجراف وراءَ الملذات, سريعَةَ الانغماس في أوحال الشهوات, كان لسان الشرعِ في دعوتها, وأداة الدعاة في إصلاحها, هو النصح, والوعظ, والتذكير, فبالوعظ والتذكير تتهذّب النفوس وتنتبه العقولُ من غفلتها, وتستيقظ من رقدتها, وتستنير البصائر بنور الطاعة بعد أن أظلمتها المعاصي, خصوصاً في مثل هذا العصر, الذي طغت فيه الماديات, واستحوذت فيه الشهوات على عقول الناس, وأفئدتهم.
والداعية الحصيف هو الذي يترسّم هدي الكتاب والسنّة وأئمة السلف رحمهم الله في دعوة العصاة والمذنبين, فكثيراً ما يشتكي الدعاة قلة التوفيق, وضعف الاستجابة, وما ذاك إلاّ لانحرافهم عن الجادة والسبيل, واستحداثهم لطرق بدعية في هداية الناس ودعوتهم.
وأنقل بين يدي هذا البحث المتواضع فتوى لعلم الأنام وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الردّ على أدعياء التجديد والتبديل في الخطاب الديني بدعوى مواكبة العصر تارة, وبدعوى قلّة تأثير الطرق الشرعية أو كما يسميها بعضٌ - الطرق التقليدية-.
وفيما يلي النصّ المختصر لهذه الفتوى:
- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن "جماعة" يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق, والسرقة, وشرب الخمر, وغير ذلك.
ثم إن شيخاً من المشايخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك, فلم يمكنه إلا أنه يقيم لهم سماعاً يجتمعون فيه بهذه النية, وهو بدُف بلا صلاصل, وغناء المغني بشعر مباحٍ بغير شبابة.
فلما فعل هذا تاب منهم جماعة, وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات, ويؤدي المفروضات, ويجتنب المحرمات.
فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه, لما يترتب عليه من المصالح؟ مع أنه لا يمكنهم دعوتهم إلا بهذا ؟
فأجاب رحمه الله:
بعد مقدمة قرّر فيها كمال الشريعة, وتمامها, وأنّ النبي eقد أمر بكل معروف ونهى عن كل منكر فهديه أفضل هدي, وأنّه لا سبيل إلى هداية الضالين, وإرشاد الغاوين إلاّ عن طريق هدي الكتاب والسنّة.
ثم قال: "إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر, فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي, يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها, فإن الرسولr والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية, التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية.
فلا يجوز أن يقال: إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيهr ما يتوب به العصاة, فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم, بالطرق الشرعية التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي, بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان -وهم خير أولياء الله المتقين, من هذه الأمة- تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية, وأمصار المسلمين وقراهم قديماً وحديثاً مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه, وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية, لا بهذه الطرق البدعية .
فلا يمكن أن يقال: إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية.
بل قد يقال: إن في الشيوخ من يكون جاهلاً بالطرق الشرعية عاجزاً عنها, ليس عنده علم بالكتاب والسنة, وما يخاطب به الناس, ويسمعهم إياه, مما يتوب الله عليهم, فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إما مع حسن القصد -إن كان له دين- وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم, وأخذ أموالهم بالباطل"([1])
وقد قسّمت البحث إلى خمسة مطالب وهي:
المطلب الأوّل: المقصود بعصاة المؤمنين.
المطلب الثاني:السمات العامة لعصاة المؤمنين.
المطلب الثالث: ضرورة تعرّف الداعية على أنواع المعاصي وأسبابها.
المطلب الرابع:ضوابط دعوة العصاة والمذنبين.
المطلب الخامس: مجالات دعوة العصاة.

المطلب أوّل: المقصود بعصاة المؤمنين.
العصاة: جمع عاص, مشتق من العِصيان والمَعصية. يقال: عَصَى، وهو عاصٍٍ، والجمع عُصاة وعَاصون. والعاصي: الفَصِيل إذا عَصَى أُمَّه في اتِّباعها؛ والعِصْيانُ: خلاف الطاعة([2]).
والعصاة: هم طائفة من المسلمين([3]) ممن شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه r بالرسالة, وأقاموا شرائع الدين التي لا يتمّ إلاّ بها, ولم يجحدوا شيئاً من شريعة الله تعالى, ولكن الشيطان والهوى غلبا عليهم؛ فخالفوا بعض ما أمر الله به فتركوه, وبعض ما نهى الله عنه ففعلوه, بشيء لا يخرجهم عن دائرة الإسلام, وهم الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي والآثام؛ قال تعالى:
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ([4]) ([5]).
المطلب الثاني: السمات العامة لعصاة المؤمنين
للعصاة سمات وخصائص تميزهم عن غيرهم, ومتى عرف الداعية هذه السمات وأحاط بها علماً؛ سَهُلَ عليه دعوة العصاة ووعظهم, واختيار الأسلوب الأنفع لهم.
ومن أبرز هذه السمات, ما يلي:
1- سلامة الفطرة:
إنّ الإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ وما زالت دواعي هذه الفطرة تقود الإنسان إلى الخير مهما غشي القلوب من رين الذنوب والمعاصي.
قال تعالى:
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ([6]).
وهذه الفطرة لا يخبو نورها إلاّ باجتيال الشياطين, وتبدّل الدين؛ كما جاء في حديث عياض بن حمارt أن رسول الله r قال فيما يرويه عن ربّه: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم؛ وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم»([7]).
وسلامة فطرة العاصي تسهّل على الداعية مخاطبة قلبه ومكامن الخير في نفسه, ومن هنا يُعلم سرّ استجابة العصاة للمواعظ والتذكير.
2- قبول الحق, وسرعة الاستجابة له:
إنّ العاصي قد يعمى عن الحق والصواب, ولكن إذا عرفه سارع إلى الاستجابة, فلم يصدّه عن امتثال الحق جحود ولا عناد, ولكن جهل بماهية الحق ومنافعه.
ولهذا يحمل الداعية همّ تعريف العصاة على الخير ومنافعه, والشر ومضارِّه, فيجمع في حقِّ العصاة بين وعظ التعليم, ووعظ التأديب.
وفي هذا الصدد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - عند حديثه عن مراتب الخلق في الدعوة-: "وآخرون يعترفون بالحق؛ لكن لهم أهواء تصدّهم عن اتباعه؛ فهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق, والترهيب من الباطل"([8]).
ويقول ابن القيم رحمه الله -عند حديثه عن حال المدعو-: "...وإما أن يكون معرضاً مشتغلاً بضدِّ الحق, ولكن لو عرفه عرفه وآثره واتبعه؛ فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب"([9]).
والعاصي لا تزال نفسه تؤنّبه -ما دام مسلماً- على فعل تلك المعاصي؛ لأن المسلم بما عليه من الإسلام لا يقرّ نفسه على المعصية؛ بل تجد في نفسه بغضاً للمعصية.
هذه الخصلة التي في قلب ذاك العاصي هي التي ينبغي أن يُنظر إليها، وأن تعظم في نفسه وأن يحبب إليه الخير من جرّاء تلك.

3- وجود نوع غفلة عند العصاة:
إنّ من شأن الذنوب والمعاصي أن تجعل في صاحبها نوع غفلة عن ذكر الله تعالى, وعن اتباع الحقّ, ولكن إذا نبّه صاحب هذه الحال بأنواع الزواجر والمرهبات استيقظ من غفلته, وسارع إلى الاستجابة والقبول.
قال ابن القيم رحمه الله -عند حديثه عن مراتب الخلق-: "...والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر؛ يدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة"([10]).

* المطلب الثالث: ضرورة تعرّف الداعية على أنواع المعاصي وأسبابها.
ليس من الحكمة أن يسعى الداعية إلى دعوة العصاة وعلاجهم, وهو يجهل أنواع أدواءهم ومسببات ذلك؛ إذ الداعية بمنـزلة الطبيب الذي يعالج الأسقام؛ فالطبيب الحاذق لا يصف الدواء إلاّ بعد تشخيص الداء ومعرفة أسبابه, وكذا الشأن بالنسبة للداعية؛ فإذا عرف أنواع هذه الأدواء وأحاط بمسبباتها؛ سهل عليه اختيار الأسلوب الأنفع لعلاج هذه المعصية.
أ- أنواع المعاصي:
هناك تقسيمات نافعة، تُعرف من خلالها أصول الذنوب، وما يمكن أن يدخل تحتها من آحاد الذنوب وأفرادها.
قال ابن القيم رحمه الله: "أصل الذنوب نوعان: ترك مأمور، وفعل محظور.
وكلاهما ينقسم باعتبار محله إلى ظاهر على الجوارح، وباطن في القلوب.
وباعتبار مُتعلَّقه إلى حق الله، وحق خلقه، وإن كان كل حق لخلقه فهو متضمن لحقه، لكن سمي حقاً للخلق لأنه يجب بمطالبتهم، ويسقط بإسقاطهم"([11]).
ثم شرع رحمه الله في تقسيم هذه الذنوب إلى قسمة أخرى فقال: "ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: ملكية، وشيطانية، وسَبُعية، وبهيمية، ولا تخرج عن ذلك".
1- الذنوب الملكية أو الربوبية: وهي أن يتعاطى الإنسان ما لا يصلح له من صفات الربوبية، كالعظمة، والكبرياء، والفخر، والجبروت، والعلو في الأرض، ومحبة استعباد الخلق، ونحو ذلك.
2- الذنوب الشيطانية: وهي ما كان في صاحبها شَبهٌ من الشيطان، ويدخل تحت ذلك الحسدُ، والبغي، والغش، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بالفساد، وتحسين المعاصي، والنهي عن الطاعات وتهجينها.
3- الذنوب السَبُعية: ومنها يتشعب الغضب، وسفك الدماء، والحقد، والتوثب على الضعفاء والعاجزين، والقتل.
4- الذنوب البهيمية: ومنها يتشعب الشَّرَهُ، والكَلَبُ، والحرص على قضاء شهوة الفرج والبطن، ومنها يتولد الزنا واللواط، والسرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشح، والجبن، والهلع، والجزع، وجمع الحطام لأجل الشهوات، وغير ذلك.
وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق؛ لعجزهم عن الذنوب السَبُعية والملكية"([12]).

تقسيم آخر للمعاصي:
ويمكن أن تقسَّم الذنوب والمعاصي إلى قسمة أخرى، وهي أن يقال: إن الذنوب تنقسم إلى كبائر، وصغائر.
قال الغزالي رحمه الله: "اعلم أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد كثر اختلاف الناس فيها؛ فقال قائلون: لا صغيرة ولا كبيرة، بل كل مخالفة لله فهي كبيرة.
وهذا ضعيف؛ إذ قال تعالى:
﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً([13]), وقالr:«الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر»([14]).
- واخْتُلِفَ في تحديد الكبائر وحصرها([15]):
فمن العلماء من حصرها في عدد محدود, فقيل: هي أربع, وقيل: سبع, وقيل: تسع, وقيل: إحدى عشرة.
ومن العلماء من حصرها بالوصف, ومن جملة ما قيل في ذلك:
1- ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن، أو غضب، أو عقوبة فهو كبيرة، وما لم يقترن به شيء فهو صغيرة.
2- وقيل: كل ما ترتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة فهو كبيرة، وما لم يرتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة ([16]).
3- وقيل: كل ما اتفقت الشرائع على تحريمه فهو من الكبائر، وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو صغيرة.

ب- أسباب المعاصي:
العاصي لا يقدم على المعصية، والمجرم لا يفعل الجريمة حين يفعلها، إلاّ وهو واقع تحت تأثير عوامل ودوافع ذاتية، وأخرى خارجية، تقوده إلى تزيين الشر والجريمة، وتحبب له العصيان والانحراف, قال تعالى:﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ([17]).
ويستطيع الداعية من خلال معرفته لأسباب المعاصي ودوافعها أن يقتلع جذورها في مهدها, قبل انتشارها واستفحالها, وهذا يُعَدُّ أسلوباً وقائياً ناجعاً.
ومن أعظم مسببات المعاصي ودوافعها:
1- جهل العاصي:
العاصي جاهل قطعاً، فلولا جهله لما عصى الله تعالى. قال جل وعلا
: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾([18]).
قال مجاهد وغير واحد من أهل العلم: "كل من عصى الله خطأ أو عمداً فهو جاهل حتى ينـزع عن الذنب"([19]).
قال ابن القيم رحمه الله: "إن مع كمال العلم لا تصدر المعصية من العبد؛ فإنه لو رأى صبياً يتطلّع عليه من كُوَّة لم تتحرك جوارحه لمواقعة الفاحشة؛ فكيف يقع منه حال كمال العلم بنظر الله إليه, ورؤيته له, وعقابه على الذنب, وتحريمه له, وسوء عاقبته.
فلا بد من غفلة القلب على هذا العلم وغيبته عنه؛ فحينئذ يكون وقوعه في المعصية صادراً عن جهل, وغفلة, ونسيان مضاد للعلم.
والذنب محفوف بجهلين:
- جهل بحقيقة الأسباب الصارفة عنه.
- وجهل بحقيقة المفسدة المترتبة عليه.
وكل واحد من الجهلين تحته جهالات كثيرة فما عُصي الله إلا بالجهل وما أطيع إلا بالعلم([20]).

2- ضعف الإيمان, وطول الأمل:
إنَّ الإيمان قد يضعف في قلب المسلم فتغلبه شهوته, ويقبل إغراء الشيطان فيرتكب المعصية؛ لأن العقاب على الذنوب شيء موعود به في الآخرة، ولذائذ الدنيا المحرمة شيء حاضر، والنفس مجبولة على التأثر بالحاضر لا بالغائب، وإن كانت عاقبة الحاضر مرة، وعاقبة الغائب حلوة، ولا يمنعها من هذا التأثر إلا الإيمان القوي المنير الذي يجعل الغائب كالحاضر فيكون التأثر به لا بالحاضر المحسوس فعلاً.
قال تعالى:﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾([21])فالإنسان بطبيعته يؤثر اللذة العاجلة وإن كانت تافهة؛ على اللذة الآجلة وإن كانت جسيمة، ومع ضعف الإيمان يقوى هذا الطبع وهذه الجبلة في الإنسان، فيستسهل ارتكاب المخالفة ابتغاء اللذة العاجلة، أو دفع المشقة العاجلة، لا سيما مع أمل البقاء والتوبة في المستقبل وتسكين النفس بأمل عفو الله تعالى([22]).
قال القاسم ين عثمان الجوعي([23]) رحمه الله: "أصل المعاصي طول الأمل"([24]).
المطلب الرابع: ضوابط دعوة العصاة والمذنبين
قد يحمل بُغْضُ الداعية للمعاصي والآثام على زبر العصاة والتثريب عليهم, وإظهار الفظاظة والقسوة تجاههم؛ وفي هذا خروج عن منهج السلف رحمهم الله في التعامل مع العصاة ووعظهم وتذكيرهم, وفيما يلي عرضٌ لأبرز ضوابط دعوة العصاة عند السلف:
1- الرفق بالعصاة, ورحمتهم, والشفقة عليهم:
الداعية ينظر إلى العصاة نظرة إشفاق ورحمة؛ فهو يراهم كالواقفين على حافة وادٍ عميقٍ سحيقٍ في ليلة ظلماء؛ يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك.
قال ابن القيم رحمه الله في وصف حال المسلم حين ينظر إلى العاصي([25]):
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://karakeb.niceboard.com
sokaty
Admin
sokaty


عدد الرسائل : 5121
تاريخ التسجيل : 06/04/2007

المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين    المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Icon_minitimeالسبت أغسطس 14, 2010 10:15 pm


من خشية الرحمن باكيتان


لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم



فالقلب بين أصابع الرحمن



فينظر الداعية إلى العاصي نظرين:
النظر الأول: نظر رحمة وشفقة؛ فيرحمه أن كان من العصاة، ويرحمه أن كان أسيراً لشهوته، أسيراً للشيطان؛ مستعبداً له؛ لأن طاعة الشيطان نوع من العبودية كما قال جل وعلا:﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ
﴾([26])
.
النظر الثاني: أن ينظر إلى العاصي بنظر الحكم الشرعي, ونظر الأمر والنهي؛ فيحمله على الأوامر, ويحمله على البعد عن النواهي.
وإذا وقر في قلب الداعية الخوف من تقلب الحال والقلوب؛ كانت النتيجة النظر بعين الرحمة والرأفة إلى كل من تلبس بمعصية أو زلة، فإن الزلات والمعاصي قريبة من العبد: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء﴾([27]).
ومن سلم منها فبرحمة الله وفضله، ومن وقع فيها فلأن الله وكله إلى نفسه، فإذا فُهِمَ هذا؛ فالواجب على الداعية أن يخاف الزلة والانتكاسة، وأن يقبل على المذنبين بقلب رؤوف ليستنقذهم من الزلة، ويرفعهم من المحنة.
2- التواضع وعدم التعالي على العصاة
"لا ينبغي للداعية؛ بل لا يجوز له أن يتعاظم على العصاة, وأن يرى نفسه فوقهم، وأن أولئك من حالهم كذا وكذا, وهو حاله حال أهل الطاعة وينظر إلى نفسه, ويجعل نفسه متعالياً على أولئك الذين عصوا، لا؛ بل كما قال الله جل وعلا: ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ
﴾([28])" ([29]).
3- الحرص على هداية العاصي, وعدم اليأس من ذلك
قد يحرص الداعية على دعوة العصاة أياً كانت معاصيهم في بادئ الأمر، فإذا رأى من أحدهم إعراضاً عن النصح، وصدوداً عن الخير، وتمادياً في الغواية أيس من هدايته، وأقصر عن نصحه، وربما جزم بأن الله لن يغفر له، ولن يهديه سواء السبيل.
وهذا الصنيع لا يصدر من ذي علم وبصيرة وحكمة؛ فمن ذا الذي أخبر هذا الداعية بأن الله لن يغفر لذلك العاصي؟ وما الذي سوّغ له أن يحجر رحمة الله عز وجل.
ثم كم من الناس من يتمادون في الغواية والإجرام، حتى يُظنَّ أنهم يموتون على ذلك، ثم يتداركهم الرحمن الرحيم بنفحة من نفحاته، فإذا هم من الأبرار الأخيار.
ولهذا جاء في صحيح مسلم عن جندب
t أن رسول اللهr:«حدَّثَ أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان, وإنّ الله تعالى قال: من ذا الذي يتألَّى عليَّ([30]) أن لا أغفر لفلان, فإني قد غفرت لفلان, وأحبطت عملك»([31])
.
4- ترك الشماتة بالعصاة والمذنبين

من الدعاة من إذا رأى مبتلى بمعصية من المعاصي أخذ يشمت به، وينتقصه، ويذمه.
وما هذا المسلك برشيد؛ إذ هو من الغيبة المحرمة، ومن تزكية النفس بذم الآخرين.
ويُخشى على من كانت هذه حاله أن يبتلى بمثل ما ابتلي به من سخر منه.
فاللائق بالداعية أن يكون أرجى الناس للناس، وأخوف الناس على نفسه.
قال ابن مسعود
t: "لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوَّل كلباً"([32]).
وقال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: "أفضل خصلة ترجى للمؤمن أن يكون أشد الناس خوفاً على نفسه، وأرجاه لكل مسلم"([33]).
5- عدم التثريب([34]) على العصاة والمذنبين
إنّ الداعية إذا زبر العاصين بعنف, وبالغ في التثريب فإنما يكون عوناً للشيطان، ومثله كمثل إنسان رأى أحدهم وقد اجتمع عليه ثلاثة نفر يضربونه من كل ناحية؛ فبدلاً من أن يمنعهم من العدوان صار رابعهم المعين لهم.
إن العاصي محتاج إلى من يقف معه في معركته مع الشيطان وجنده، وليس بحاجة إلى من يقف مع الشيطان.
وقد كان رسول الله r في كل مناسبة يبين هذه القاعدة المهمة في التعامل مع العصاة.
فقد كان رجل يؤتى به كثيراً ليجلد في شرب الخمر، فأتي به مرة فقال رجل:
«لعنه الله ما أكثرما يؤتى به، فقال رسول اللهr: لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله»([35])، فقد شهد له بالإيمان ليحملهم على محبته، ومنعهم من لعنه، لأنه ليس كل معصية تستحق اللعنة، ولأن من الممكن أن تجتمع الحسنات والسيئات والثواب والعقاب في الشخص الواحد، وهذا قول الصحابة وأئمة الإسلام، الذين يقولون بعدم خلود صاحب الكبيرة في النار إن دخلها([36]).
وعن أبي هريرة t أن النبي r قال: «إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يُثَرِّب, ثم إن زنت فليجلدها ولا يُثَرِّب, ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر»(
[37]).
· حكم لعن([38]) العاصي:
1- لعن المسلم العاصي المعين:
ذكر ابن العربي أنه لا يجوز لعن العاصي المعين اتفاقاً([39])؛ واستدل بقصة النهي عن لعن شارب الخمر الآنفة الذكر.
2- اللعن بالأوصاف العامة:
مثل لعنة الله على الظالمين ولعنة الله على الفاسقين والكاذبين, والفسقة, والمبتدعة, وغير ذلك من أوصاف العموم، فهذا جائز لا خلاف فيه لأن الله سبحانه وتعالى قد لعن الظالمين, والفاسقين, والكاذبين بدون تعين, وكذلك الرسول r لعن السارق, وآكل الربا, والراشي دون تعيين أحد بعينه.
قال النووي رحمه الله: "ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة، كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين...."([40]).
6- تنويع أساليب الدعوة:
ينبغي للداعية أن لا يقتصر على جانب الترهيب والتخويف في دعوة العصاة, لأنّ من شأن الاقتصار على هذا الأسلوب أن يقنّط العاصي من رحمة الله عز وجل.
ولكن يُدعى العاصي ويخوّف, ويذكّر بالله تعالى, وعقابه للعاصين, وثوابه للطائعين, وإقباله ورحمته لهم, وتورد عليه الأخبار والقصص الواردة في ذلك, وتذكر له سيرة السلف الصالح من عباده المتقين؛ ليعتبر ويتأسى بهم.

المطلب الخامس: مجالات دعوة العصاة

إنّ الله عز وجل لم يكتب العصمة إلاّ للأنبياء فيما يبلغونه من شريعة الله تعالى؛ واقتضت سنة الله جلّ وعلا أن يتلبّس كلّ إنسان بالخطيئة والذنب على تفاوت بين مقلٍّ ومكثر.
فعن أنسy أن النبي r قال:
«كل ابن آدم خَطَّاء؛ وخير الخطَّائين التوابون»([41]).
ومن هنا يتبيّن لنا أنّ العصاة هم أوسع أصناف المدعوين؛ بل إنّ الأصل في الموعظة أن توجّه للعصاة والمذنبين, كما قال ابن القيم رحمه الله([42]).
وعليه فإنّ ميدان دعوة العصاة رحبٌ واسعٌ, وحسبي أن أذكر هنا معالم مجالات دعوة العصاة والمذنبين؛ وهي تدور في مجملها حول ثلاثة معالم:
1- التحذير من الذنوب, وبيان مضارها
كثرت مواعظ السلف رحمهم الله المحذِّرة من الذنوب, والمبيِّنة لعظم خطرها, وجسامة ضررها على العبد في دينه ودنياه.
وتحذير السلف رحمهم الله من الذنوب يأتي على نوعين:
أ- التحذير من جنس الذنوب:
دون تحديد لنوع معيَّن من الذنوب والآثام؛ وشأن هذا التحذير أن ينتفع به كلّ مذنب وعاصٍ على اختلاف الذنب الذي اقترفه.
ومن نماذج ذلك؛ قول ابن السماك رحمه الله -محذراً من الذنوب والمعاصي-([43]):

يا مدمن الذنب أما تستحي



والله في الخلوة ثانيكا


أغرك من ربك إمهاله



وستره طول مساويكا



- وقال رجل لوهب بن الورد رحمه الله: "عظني! فقال له: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك"([44]).
- وقال بعض السلف رحمهم الله: "ابن آدم! إن كنت حيث ركبت المعصية لم تصف لك من عيني ناظرة إليك, فلما خلوت بالله وحده صفت لك معصيته, ولم تستحي منه حياءك من بعض خلقه.
ما أنت إلاّ أحد رجلين: إن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت, وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه لقد اجترأت عليه"([45]).
ب- التحذير من آحاد الذنوب([46]):
وهي كثيرة جداً؛ سبق الإشارة إلى أنواعها وأقسامها, وتكون الموعظة ها هنا بحسب ما يراه الداعية من الذنوب الظاهرة التي يتلبّس بها آحاد الناس أو عمومهم.
والمواعظ في هذا الشأن كثيرة جداً, نذكر منها بعض النماذج تمثيلاً.
يقول كعب الأحبار رحمه الله -في التحذير من عقوق الوالدين-: "إن الله لَيُعَجِّلُ هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه لِيُعَجِّلَ له العذاب, وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً و خيراً"([47]).
- "ورأى محمد بن المنكدر رجلاً واقفاً مع امرأة يكلمها؛ فقال: إنّ الله يراكما سترنا الله وإياكما"([48]).
- ويقول الإمام الشافعي رحمه الله -في التحذير من الزنا, وهتك حرمات المسلمين-([49]):
عُفّوا تَعفَّ نِساؤُكُم في المَحرَمِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://karakeb.niceboard.com
sokaty
Admin
sokaty


عدد الرسائل : 5121
تاريخ التسجيل : 06/04/2007

المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين    المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Icon_minitimeالسبت أغسطس 14, 2010 10:18 pm

وَتَجَنَّبوا ما لا يَليقُ بِمُسلِمِ


إِنَّ الزِنا دَينٌ فَإِن أَقرَضتَهُ



كانَ الوَفا مِن أَهلِ بَيتِكَ فَاِعلَمِ


يا هاتِكاً حُرَمَ الرِجالِ وَقاطِعاً



سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشتَ غَيرَ مُكَرَّمِ


لَو كُنتَ حُرّاً مِن سُلالَةِ ماجِدٍ



ما كُنتَ هَتّاكاً لِحُرمَةِ مُسلِمِ


مَن يَزنِ يُزنَ بِهِ وَلَو بِجِدارِهِ



إِن كُنتَ يا هَذا لَبيباً فَاِفهَمِ



· بيان مضار الذنوب:
إنّ التحذير من الذنوب لا يؤتي ثماره ما لم يكن مقروناً ببيان الآثار الوخيمة والمضار الجسيمة للذنوب والمعاصي, فالذنوب هي أصل البلايا والشرور في الدنيا والآخرة.
ومعرفة العبد بمضار الذنوب والمعاصي هو من أعظم سبل الوقاية وأنجع طرق الحمية.
وأشار الإمام ابن القيم رحمه الله إلى جملة من مضار الذنوب والآثام, فذكر منها([50]):
- حرمان العلم والرزق، والوحشةُ التي يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.
- ومنها: تعسير الأمور، وظلمة القلب، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركاته.
- ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها، وتُقَوِّي في القلب إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ إرادة التوبة من القلب بالكلية، فيستمرئ صاحبها المعصية، وينسلخ من استقباحها.
ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وأن شؤمها لا يقتصر على العاصي، بل يعود على غيره من الناس والدواب.
- ومنها: أن المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتدخل العبد تحت اللعنة، وتحرمه من دعوة الرسول r , ودعوة الملائكة، ودعوة المؤمنين.
- كما أنها تطفئ نار الغيرة من القلب، وتذهب الحياء، وتضعف في القلب تعظيم الرب، وتستدعي نسيان الله لعبده، وتخْليته بينه ويبن نفسه وشيطانه.
- ومنها: أن تنـزل الرعب في قلب العاصي، وتعمي قلبه، وتسقط منـزلته، وتسلبه أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذل والصغار، وتجعله من السفلة بعد أن كان مُهَيّأً لأن يكون من العِلْية، وتجرئ عليه شياطين الجن والإنس؛ إلى غير ذلك من أضرار المعاصي، التي إذا استحضرها العاقل كان حرياً به أن يقلع عنها، ويحذر منها.
فالواجب على الداعية أن يقرن التحذير من المعاصي ببيان هذه الأضرار العظيمة والجسيمة للمعاصي جملة؛ وإن كان لكلّ معصية مضارُ تنفرد بها عن غيرها من المعاصي.
2- الترغيب في التوبة, وبيان فضائلها
للتوبة فضائل جمة، وأسرار بديعة، وفوائد متعددة
؛ فينبغي للداعية أن ينبّه عموم العصاة إلى هذه الفضائل حتى يرغّبهم في التوبة والإنابة لله تعالى؛ ومن هذه الفوائد([51]):
أ- التوبة سبب للفلاح: قال تعالى:﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([52])
.
قال ابن كثير رحمه الله: "أي افعلوا ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهيا عنه"([53]).

ب- بالتوبة تكفر السيئات: فإذا تاب العبد توبة نصوحاً كفَّر الله بها جميع ذنوبه وخطاياه.
قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾(
[54]). التحريم: 8.
ج- بالتوبة تبدل السيئات حسنات: فإذا حسنت التوبة بدَّل الله سيئات صاحبها حسنات، وذلك فضل من الله، وتكرم.

قال تعالى:﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
﴾([55]).
قال ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: "وهذا من أعظم البشارة للتائبين إذا اقترن بتوبتهم إيمان وعمل صالح، وهو حقيقة التوبة"([56]).
د- التوبة سبب للمتاع الحسن: قال تعالى:﴿وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾([57]).
هـ- التوبة سبب لنـزول الأمطار، وزيادة القوة، والإمداد بالأموال والبنين: قال تعالى على لسان هود عليه السلام :﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾([58])
.
و- أن الله يفرح بتوبة التائبين
: فللتوبة عنده عز وجل منـزلة ليست لغيرها من الطاعات؛ ولهذا يفرح سبحانه بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يُقَدَّر كما مَثَّله النبيr بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدَّويَّة المهلكة بعدما فقدها وأيس من أسباب الحياة.
فعن ابن مسعودt أنّ النبي r قال:«لله أفرح بتوبة عبده؛ من رجل نزل منـزلاً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه؛ فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته, حتى إذا اشتدَّ عليه الحر والعطش أو ما شاء الله؛ قال أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة, ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده
»([59]).
قال ابن القيم رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: "ولم يجئ هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيراً عظيماً في حال التائب وقلبِه، ومزيدُه لا يُعبَّر عنه"([60]).

ز- التوبة توجب للتائب آثاراً عجيبة من المقامات التي لا تحصل دون التوبة: فتوجب له المحبة، والرقة، واللطف، وشكر الله، وحمده، والرضا عنه؛ فَرُتِّب له على ذلك أنواع من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضها أو يفسدها.
ك- التوبة سبيل لإغاظة الشيطان ومراغمته
: فالقلب يذهل عن عدوه؛ فإذا أصابه منه مكروه استجمعت له قوته، وطلب بثأره إن كان قلبه حُرَّاً كريماً، كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء، بل تراه بعدها هائجاً، طالباً، مقداماً.
والله عز وجل يحب من عبده مراغمة عدوه وغيظَه.
وهذه العبودية من أسرار التوبة؛ فيحصل من العبد مراغمة العدو بالتوبة، وحصول محبوب الله من التوبة وما يتبعها من زيادة الأعمال ما يوجب جعلَ مكانِ السيئةِ حسنةً، بل حسنات.
3- دحض شبهات العصاة
إنّ الشيطان قد يُلْبِس على العصاة من هذه الأمَّة, ويلقي في رُوعهم أنهم ممَّن كتب عليهم الشقاء, وأن لا سبيل لتوبتهم واستقامتهم, سعياً منه لتقنيطهم من رحمة الله, وسعة عفوه, وواسع كرمه وجوده.
والواجب على الدعاة أن يزيلوا هذه الشبه من نفوس العصاة, وأن يفتحوا لهم باب الأمل والرجاء في الله تعالى, فإنّ هذا من أعظم الأسباب في استقامة العصاة وإنابتهم.
ومن بين هذه الشبه التي قد ترد على العصاة والمذنبين:
أ- القنوط من رحمة الله تعالى, واليأس من التوبة:
قد تتعاظم ذنوب العبد في نفسه, وكلما رام التوبة عاد للذنب ورجع, فيحمله ذلك على اليأس من التوبة والإنابة, وهذا تلبيس من إبليس, وهو مردود مدحور من وجوه كثيرة:
- منها: أن باب التوبة مفتوح مهما عظمت الذنوب وكثرت, كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ
﴾([61]).
وقال تعالى في حق أصحاب الأخدود الذين خدّوا الأخاديد لتعذيب المؤمنين وتحريقهم بالنار:﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾([62]).
قال الحسن البصري رحمه الله: "انظروا إلى هذا الكرم والجود؛ قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة"([63]).
- ومنها: أن الله حذر من القنوط من رحمته: قال تعالى :﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([64]).
قال ابن كثير رحمه الله: "قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس t في هذه الآية: قال: قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيراً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء:﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([65]).
ثم دعا إلى التوبة من هو أعظم قولاً من هؤلاء؛ من قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى
([66]), وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي([67]).
قال ابن عباس t عنهما: "من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله عز وجل"([68]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في الآية السابقة آية الزمر: "المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله تعالى وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يَقْنَط من رحمة الله، ولا أن يُقَنِّط الناس من رحمته؛ لذا قال بعض السلف: وإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيّس الناس من رحمة الله، ولا يجرؤهم على معاصي الله"([69]).
ب- تأجيل التوبة:
فمن الناس من يدرك خطأه، ويعلم حرمة ما يقع فيه، ولكنه يؤجل التوبة، ويسوف فيها؛ فمنهم من يؤخرها إلى ما بعد الزواج، ومنهم من يؤجلها ريثما تتقدم به السن، إلى غير ذلك من دواعي التأجيل.
قال ابن القيم رحمه الله: "المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخر، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة؛ وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة"([70]).
قال ابن الجوزي رحمه الله: "يا بطَّال إلى كم تُؤخر التوبة وما أنت في التأخير معذور؟ إلى متى يقال عنك: مفتون مغرور؟ يا مسكين ! قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور، أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟ أترى تركبُ النُّجبَ غداً أم أنت على وجهك مجرور؟ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب القصور"([71]).
ج- ترك التوبة؛ مخافة الرجوع للذنوب:
فمن الناس من يرغب في التوبة، ولكنه لا يبادر إليها؛ مخافة أن يعاود الذنب مرة أخرى.
وهذا خطأ؛ فعلى العبد أن يتوب إلى الله، فلربما أدركه الأجل وهو لم ينقض توبته.
كما عليه أن يحسن ظنه بربه جل وعلا ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه، وأنه تعالى عند ظن عبده به.
ثم إن على التائب إذا عاد إلى الذنب أن يجدد التوبة مرة أخرى وهكذا...
فعن أبي هريرة
t عن النبي r فيما يحكي عن ربه عز وجل قال:«أذنب عَبْدٌ ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب, ويأخذ بالذنب, ثم عاد فأذنب؛ فقال: أي رب اغفر لي ذنبي, فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب, ويأخذ بالذنب؛ ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي, فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب, ويأخذ بالذنب؛ اعمل ما شئت فقد غفرت لك»([72]).
قال النووي رحمه الله في معنى الحديث: "قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه:«اعمل ما شئت؛ فقد غفرت لك»معناه: ما دمت تذنب، ثم تتوب غفرت لك"([73]).

د- التمادي في الذنوب؛ اعتماداً على سعة رحمة الله:
فمن الناس من يسرف في المعاصي، فإذا زجر، وليم على ذلك قال: إن الله غفور رحيم، كما قال أحدهم:
وكَثِّر ما استطعت من الخطايا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://karakeb.niceboard.com
sokaty
Admin
sokaty


عدد الرسائل : 5121
تاريخ التسجيل : 06/04/2007

المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين    المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين  Icon_minitimeالسبت أغسطس 14, 2010 10:21 pm


إذا كان القدوم على كريم([74])




ولا ريب أن هذا الصنيع سفه، وجهل، وغرور؛ فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المسيئين، المفرطين المعاندين، المصرين.
ثم إن الله عز وجل مع عفوه، وسعة رحمته شديد العقاب، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين؛ قال تعالى :﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾([75]).
قال مالك بن دينار رحمه الله: "رأيت عتبة الغلام وهو في يوم شديد الحر، وهو يرشح عرقاً، فقلت له: ما الذي أوقفك في هذا الموضع؟
فقال: هذا موضع عصيت الله فيه، وأنشد يقول:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي



وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي



وتأتي الذنب عمداً لا تبالي



ورب العالمين عليك حاصي([76])




قال ابن القيم رحمه الله في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله: "وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته، ونصوص الرجاء".
ثم قال بعد ذلك: "وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتَّى إحسان الظن"([77]).
د- الاغترار بإمهال الله للمسيئين:
فمن الناس من يسرف على نفسه بالمعاصي؛ فإذا نصح عنها، وحُذِّر من عاقبتها قال: ما بالنا نرى أقواماً قد امتلأت فجاجُ الأرض بمفاسدهم، ومباذلهم، وظلمهم، وقتلهم الأنفس بغير الحق، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، ومع ذلك نراهم وقد درت عليهم الأرزاق، وأنسئت لهم الآجال، وهم يعيشون في رغد ونعيم بعيد المنال؟ .
ولا ريب أن هذا القول لا يصدر إلا من جاهل بالله، وبسنن الله عز وجل.
فعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله
r قال:«إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ثم تلا قوله عز وجل : ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ([78])([79])
.
هـ- الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي:
فهناك من يحتج بالقدر على معائبه وذنوبه، فإذا قيل له: متى ستتوب؟ قال: إذا أراد الله ذلك.
وهذا خطأ وضلال وانحراف؛ فالإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو ما فعل من المعاصي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر.
ونفس المحتج بالقدر إذا اعتُدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده؛ فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداهة العقول"([80]).
وقال رحمه الله أيضاً: "فالسعيد يستغفر من المعائب، ويصبر على المصائب، كما قال تعالى:﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾([81]).
والشقي يجزع عند المصائب، ويحتج بالقدر على المعائب"([82]).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://karakeb.niceboard.com
 
المنهج المبين في دعوة العصاة والمذنبين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
karakeb :: اسلاميات :: اعرف عقيدتك-
انتقل الى: