التوابع (الأقمار) التوابع أو الأقمار عبارة عن كتل صخرية باردة تدور حول الكواكب بمدارات بيضاوية وعددها 34 قمراً. وليس لكل من عطارد والزهرة وبلوتو أقمار، بينما للأرض قمر واحد، وللمريخ قمران، وللمشترى 14 قمراً، ولزحل 10 أقمار، ولأورانوس خمسة أقمار، ونبتون قمران.
القمر
نظراً لقرب القمر من الأرض، ولتأثيره المباشر على حياة الإنسان، فقد احتل مركزاً هاماً في أفكار الشعوب وتخيلاتها، منذ بدء الحياة البشرية حتى عصر الفضاء الحالي، الذي وصل فيه الإنسان فعلاً إلى سطح القمر. وبوصول الإنسان إلى القمر أمكنه أن ينتقل في دراسته له من مرحلة الرصد البعيد إلى مرحلة الدراسة المبنية على الحس والمشاهدة. وقد كانت بداية هذا الانتقال هي الرحلة، التي قام بها اثنان من رواد الفضاء الأمريكيين في سفينة الفضاء أبوللو يوم 20 يوليه سنة 1960، فقد تجول هذان الرجلان (أرمسترونج وألوين) على سطح القمر، والتقطا كثيراً من الصور، وجمعا كثيراً من عينات الصخور والتربة، وفي 12 نوفمبر سنة 1970 قام رائدان آخران برحلة مشابهة في أبوللو 12، والتقطا المزيد من الصور، وجمعا المزيد من العينات. ومن ثم أصبحت المعلومات الخاصة به أكثر دقة وتفصيلاً.
ويميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن القمر ليس مجرد تابع للأرض، وإنما هو كوكب قائم بذاته، وهو على كل حال أصغر حجماً منها بكثير حيث إن حجمه يعادل 2 % فقط من حجمها، ويبلغ طول قطره حوالي 3480 كيلومتراً أي أكثر قليلاً من ربع قطر الأرض، أي أن كتلة الأرض تعادل كتلته 81 مرة، كما أن جاذبيته تعادل سدس الجاذبية الأرضية، لذا فإن الشخص، الذي يسير أو يقف فوقه يشعر دائما بأنه خفيف جداً لدرجة أنه يستطيع أن يقفز إلى أعلى دون بذل أي مجهود. ويبلغ متوسط البعد بين القمر والأرض 263.6 كيلومتراً، يبلغ طول فلكه (مداره) حولها 2.4 مليون كيلومتر تقريباً.
تضاريس سطح القمر
من الممكن ـ حتى بالعين المجردة ـ أن يدرك المرء أن سطح القمر ليس كله ذات طبيعة واحدة، فبعض أجزائه تبدو داكنة وبعضها الآخر يبدو فاتحاً، كما يوضح الشكل التالي :-
وقد ساعدت المناظير الفلكية المتقدمة ـ حتى قبل عصر الفضاء ـ على توضيح كثير من الحقائق الخاصة بسطح القمر بدرجة أمكن معها رسم بعض الخرائط له. وقد أظهرت هذه الخرائط ثلاثة أشكال رئيسية للتضاريس هي:
|
أ- البحار |
|
|
وهي عبارة عن مسطحات واسعة ليس بها ماء، ويبدو سطحها رمادياً داكناً، ويعزى ذلك إلى أن سطحها مغطى بطبقة من اللافا البازلتية والرماد البركاني الناعم، وتغطى كثيراً منها تربة هشة ناعمة من الرماد ومن فتات الصخور. وسمك هذه التربة كبير في بعض المواضع بحيث يصل إلى بضعة أمتار. وقد أطلقت على هذه البحار أسماء خاصة مثل البحر الهادي Tranquilitati Mare ، وبحر الأمطار Mare Imbrium وغيرها. ومعظمها أسماء يونانية قديمة وضعت منذ عهد جاليليو الذي كان له الفضل الأكبر في كشف كثير من مظاهر سطح القمر بعد اختراعه للمنظار المقرب (التليسكوب). |
|
ب- الجبـال |
|
|
وهي المناطق المرتفعة، التي تفصل البحار عن بعضها، ويمتد بعضها على شكل سلاسل طويلة مرتفعة، بينما يظهر بعضها الآخر بشكل قمم بركانية منعزلة، وقد أعطيت لهذه الجبال أسماء، معظمها مأخوذ من أسماء جبال الأرض مثل جبال الألب وجبال الأبنين وغيرها. وعلى الرغم من أن بعض سلاسل هذه الجبال ترتفع عن البحار المجاورة لها بحوالي 6000 متر، إلاّ أنها لا تبدو واضحة للشخص الواقف على سطح القمر إلاّ إذا كان قريبا منها، أمّا إذا بعد عنها بنحو كيلومتر فإنه قد لا يدركها لأنها تكون مائلة مع الأفق بسبب صغر حجم القمر، وتبدو جبال القمر فاتحة اللون بالنسبة للبحار التي حولها. |
|
ج- الفوهات |
|
|
وهي موجودة على سطح القمر بأعداد كبيرة جدا، ويقدر عددها ببضع مئات الآلاف، وهي تشبه فوهات البراكين، وبعضها فعلا فوهات بركانية، إلا أن أغلبها عبارة عن فجوات نتجت عن ارتطام النيازك والشهب بسطح القمر. وبعض الفوهات كبيرة الحجم جدا بحيث يصل قطرها إلى بضع عشرات من الكيلومترات. ومثل هذه الفوهات يمكن مشاهدتها وتصويرها من الأرض بالاستعانة بالمناظير المقربة. ومع ذلك فإن أغلب الفوهات صغيرة الحجم وكثير منها لا يزيد قطره عن بضعة أمتار. |
|
نشأة القمر |
|
|
كما هو الحال بالنسبة لنشأة الأرض، فإن نشأة القمر ما زالت هي الأخرى غير معروفة، على الرغم من وجود عدد من الافتراضات التي حاولت إلقاء بعض الضوء عليها. ومن أمثلة هذه الافتراضات، افتراض يقول بأن القمر نشأ نشأة مستقلة في نفس الوقت الذي نشأت فيه الأرض وبنفس الطريقة. وثمة افتراض آخر هو أن القمر انفصل عن الأرض في المكان الذي يشغله حاليا القسم الشمالي من المحيط الهادي، وقد جاء بهذا الافتراض الفلكي جورج داروين سنة 1881، حيث قال إن هذا الانفصال قد حدث بسبب دوران الأرض حول نفسها عندما كانت لا تزال ملتهبة. إلاّ أن هذا الافتراض واجه كثيراً من النقد حتى فقد أهميته في الوقت الحاضر. |
ح. الكويكبات Asteroids هي أجرام صغيرة تشبه الكواكب و تدور حول الشمس بمدارات اهليليجية، ويقع مدارها ما بين مدار المريخ ومدار المشترى وعلى بعد 2.8 وحدة فلكية. وأقطار هذه الأجرام تراوح بين 0.8 كيلومتر إلى 780 كيلومتر. ويبلغ عدد المكتشف منها حوالي 2000 كويكب، وربما يكون عدد هذه الكويكبات عشرة آلاف أو أكثر. وهناك عدة فرضيات عن أصل هذه الكويكبات منها: أن هذه الكويكبات كانت مادة لكوكب لم يكتمل فبقيت مفتتة. وفرضية أخرى تقول: إن الكويكبات كانت عدة كواكب كبيرة تفتتت نتيجة اصطدامها مع بعضها. وفرضية ثالثة تقول: إنها كانت في الأصل كوكباً واحدا يدور بين المريخ والمشترى، تحطم، وتهشم إلى قطع صغيرة نتيجة جاذبية المشترى. والكويكب في الأغلب مكون من مواد صخرية تشبه تركيب الكواكب الأرضية، وشكله غالبا غير منتظم والجاذبية على سطحه قليلة جداً أقل من جاذبية من أي كوكب آخر، ويُعد كوكب سيرس Ceres أكبر هذه الكويكبات حجماً إذا يبلغ قطره نحو 780 كيلومتراً.
1- الشُهب والنيازك Meteors and Meteorites
الشهب أجسام صخرية أو معدنية تدور حول الشمس، وحجمها أصغر بكثير من حجم الكويكبات وبعضها لا يتجاوز قطره بضعة سنتيمترات، وبعضها كبير قد يصل وزنه إلى عشرات الألوف من الأطنان. وعندما تدخل هذه الأجسام الكرة الأرضية فإنها تسخن بسبب الاحتكاك مع الغلاف الجوي إلى أن تتأجج وتحترق في السماء وتسمى عندئذ شُهباً. أمّا لو بقى جزء من الجسم لم يحترق، ووصلت أجزاء منه سالمة إلى سطح الأرض، فإن ذلك الجسم الساقط المتأجج ُيعرف بالنيزك.
وقد شاهد الفلكيون بعض الشُهب، وقد احتلت لها مدارات مختلفة حول الشمس، منها الشُهب المعروفة باسم ليونيد Leonids، شاهدها العلماء سنة 1866 وهي تدور حول الشمس، واستغرقت الدورة الواحدة لها نحو 33.3 سنة. وتكررت تلك الملاحظة الفلكية عامي 1899، 1932.
ويمكن رؤية الشهب بمعدل شهاب واحد كل عشر دقائق، ويقدر بعضهم عدد الشهب، التي تظهر في السماء في اليوم الواحد بحوالي مليون شهاب، وفي بعض الأحيان يتساقط الآلاف منها في الساعة الواحدة، وتُعرف هذه الظاهرة باسم زخات الشهب Meteor Showers، وتضيف الشهب موارد هائلة من الغبار الدقيق للغلاف الجوي للكرة الأرضية قد يصل إلى حوالي 1000 طن في اليوم الواحد، ويمكن الكشف عن هذا الغبار في طبقات الجو العليا أو على ثلوج الأقطاب.
أمّا النيازك التي تسقط على سطح الأرض فتندفع بسرعة هائلة تبلغ سرعتها حوالي 50- 90 كيلومتراً/ ثانية، وعند اصطدامها بالسطح تغور للأسفل إلى أعماق كبيرة ثم تنفجر، وتتناثر شظاياها، وتشكل حفراً ضخمة تُعرف بالحفر البركانية أو النيزكية. وبعض النيازك كبير الحجم قد يصل وزنه إلى 100 طن، وعند فحص بقايا النيازك الموجودة في المتاحف ظهر أنها تحتوى على بعض المواد المشعة، وأنها تكونت منذ 4500 مليون سنة، وهذا يدعو إلى الاعتقاد بأنه عمر المجموعة الشمسية. وبعد أن حللت مركباتها تبين أن قسما منها معدني مكون من الحديد والنيكل، وقسم آخر صخري مكون من صخور تشبه صخور القشرة الأرضية.
وبعض النيازك التي سقطت على الأرض ضخمة جداً، يصل وزنها إلى آلاف الأطنان مثل النيزك، الذي سقط في ولاية أريزونا الأمريكية وكون حفرة ضخمة، قطرها 1260 مترا وعمقها 175 مترا قبل خمسة آلاف سنة. وسقط على سيبيريا سنة 1908 نيزك ضخم، أحدث هزة أرضية ودوياً عظيماً، وحرق أجزاء كبيرة من الغابات، ودمر مساحة قطرها 90 كيلومتراً. كما سقط نيزك آخر إلى الشرق من سيبيريا في سنة 1947، وسقط نيزك في كينيا سنة 1946 فدمر قرى بأكملها.
والشهب والنيازك بقايا أجزاء صغيرة من الكويكبات، أو أجزاء نتجت عن اصطدامات الكواكب عند بدء تكوينها. ويعتقد بعضهم أن لها علاقة وثيقة بالمذنبات إذ إن بعضها ناتج عن تحطيم ذيول المذنبات، عندما تقترب من الأرض، وتسبب وابلا أو زخات من الشهب.
2- المذنبات Cometes
هي أجسام سماوية تتألف من رأس لامع، يبدو كالنجم، محوط بهالة كالشعر كما توضح (الصورة الرقم 10)، ويمتد من جسمها لسان أو ذيل طويل، وتدور حول الشمس في مدارات مختلفة وبسرعة هائلة. وكان القدماء يعتقدون أنها ظواهر تحدث في الغلاف الجوي للأرض، فأحاطوها بدلالات خاصة ـ في رأى المنجمين ـ على أنها تدل على الشؤم. وظل هذا الاعتقاد سائدا إلى القرن السادس عشر، عندما بين كل من تايخو بريه وكبلر أنها أجرام سماوية تتحرك حول الشمس. وفي القرن السابع عشر، استطاع إيدمون هــالي E. Halleyأن يبرهن أن المذنبات هي أحد أعضاء المجموعة الشمسية. وحدد المذنب هالي Halley, s Comet، الذي ظهر سنة 1682، أنه المذنب نفسه، الذي ظهر سنة 1607، وتُنُبِّئ بظهوره مرة أخرى سنة 1759، وهذا ما حدث فعلا، ثم توالى ظهوره مرة كل 76 سنة تقريباً هي مدة دورته حول الشمس. ويتكون الرأس عادة من مواد صلبة هي مزيج من صخور نيزكية، وبلورات ثلجية، ومركبات الهيدروجين المتجمدة، وتكون الغازات المتبخرة من الرأس الهالة التي تظهر كالشعر، فعندما يكون المذنب بعيداً عن الشمس لا تظهر الهالة، بينما تظهر بوضوح عند اقترابه من الشمس نتيجة تبخر الغازات. وحجم الرأس ضخم، أضخم من حجم الأرض بعشرات المرات، ولكن كتلتها أقل من كتلة الأرض بملايين المرات. ويتشكل الذنب من الغازات التي تتحلل وتتبخر من الرأس، وبتأثير انسياب المواد من الشمس أو ما يعرف باسم الرياح الشمسية Solar Wind تندفع الغازات المنحلة من الرأس بالاتجاه المعاكس لموقع الشمس على شكل ذنب أو لسان طويل، يمتد على هيئة خط مستقيم. وقد يصل طوله إلى ملايين الكيلومترات، ويبلغ طول مذنب هالي حوالي 110 مليون كيلومتر، كما توضح (الصورة الرقم 11). وتدور المذنبات حول الشمس في مدارات مختلفة، فبعضها يدور حول الشمس بمدار بيضاوي ضيق وطويل جداً تحتل الشمس إحدى بؤرتيه، كما يوضح (الشكل الرقم 2)، لذا فإن المذنب من هذا النوع لا يُرى إلاّ عندما يصبح عند الحضيض؛ أي عندما يصبح على أقرب مسافة من الشمس ومن الأرض، فيرى بالعين المجردة، ومن أمثلة ذلك المذنب هالي، ومذنب مور هاوس Morehouse, s Comet الذي شُوهد سنة 1908. ويعتقد أنه توجد عدة آلاف من المذنبات تقع بين مجموعة النظام الشمسي ومنتصف المسافة بين الأرض وأقرب النجوم إليها، وقد تكونت المذنبات من السحب السديمية فتنجذب نحو الشمس عندما تصبح في نطاق جاذبية الشمس، وبعضها يبعد عن نطاق جاذبية الشمس فيتحول مداره إلى مدار غير مغلق، ويسبح مبتعداً في الفضاء. وهو ما حدث مع المذنب كوهوتيك، الذي بدأ يقترب من جسم الشمس يوم 28 ديسمبر 1973، ودخل حقولها الكهرومغناطيسية ـ أي على بعد 21 مليون كيلومتر من الشمس ـ يوم 10 يناير 1974، وبدلاً من أن يخرج عن جاذبية الشمس ويستدير ليبعد عنها، تأثر جسم المذنب بجاذبية الشمس وتشتت أجزائه وذهبت إلى العدم كميات كبيرة من لمعانه. وهكذا انتهى ألمع وأبهر مذنب في الفضاء في العصر الحديث.
ويظهر عادة مذنب لامع كبير مرة كل عشر سنوات، ومن الجدير بالذكر أن بعض الفلكيين في الماضي توقعوا اصطدام بعض المذنبات بالأرض، ويمكن أن يحدث مرور أحد أذناب المذنب على الأرض ويسبب وابلا من الشهب أو النيازك، كما حدث في عامي 1861، 1910.
ط. البروج تعرف الإنسان، منذ القدم، على النجوم وعلى تشكيلاتها كما تظهر في القبة السماوية. وكان الإنسان مهتما بمراقبة هذه التشكيلات والتمييز بينها، إذ كان يعزل في مخيلته عددا من النجوم اللامعة المتقاربة (قد يكون عددها ثلاثة أو بضعة عشر من النجوم)، ويطلق عليها اسم مستوحى في الأصل من مشابهة هذه التشكيلات من النجوم لحيوان كالدب، والأسد، والحوت، والفرس ...، أو لمشابهتها البطل أو إنساناً مشهوراً حقيقياً أو خرافياً أو لمشابهتها للأواني والأدوات كالدلو، والمغرفة، والقوس، والميزان، كما يوضح (الشكل الرقم 3)، ومن الجدير بالذكر أن مراقبة هذه التشكيلات من الأرض كانت تظهرها كأنها على بعد متساو، مع أنها تتفاوت في بُعدها عن الأرض تفاوتا كبيراً. وسميت هذه المجموعات أو التشكيلات من النجوم بالبروج. ويعتقد أن أول من تعرف إلى البروج وأعطاها أسماء مميزة شعوب ما بين النهرين في الألف الثالث قبل الميلاد. وكان الإنسان القديم يهتدي بتشكيلات النجوم لمعرفة الوقت والاستدلال على الجهات الأربع. قال الله تعالى: وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . ولا يزال الإنسان إلى يومنا الحاضر يهتدي بالنجم والبروج في أسفاره بالصحاري والبحار، كما أن النجوم والبروج لها أهميتها في الملاحة والرحلات الفضائية. إن أسماء البروج والتعرف عليها أسهم فيها السومريون، والكلدانيون، والإغريق، والعرب، والمسلمون. وبلور ذلك العالم الإغريقي بطليموس في القرن الثاني الميلادي، فقد اختار 48 برجاً، ووصف تركيب النجوم فيها، وأعطاها أسماء معينة، ليسهل التعرف عليها والرجوع إليها. ولا يزال بعض هذه الأبراج يشبه الحيوان أو الشيء الذي سمى به قديما، بينما لا نجد أي تشابه للبعض الآخر مع الاسم، لكونها أعطيت هذه الأسماء في الأزمنة القديمة لانطباع معين أو لشيء متعارف عليه آنذاك.
وتعتمد تشكيلات النجوم في البروج على اللمعان الظاهري للنجوم وعلى أبعادها النسبية في السماء ـ كما تظهر في الأرض ـ وليس على أبعادها الحقيقية. قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا . 1- مواقع النجوم في السماء لتحديد مواقع النجوم في السماء لابد لنا من مرجع سماوي يُرجع له لتحديد هذه المواقع. فالقبة السماوية تنقسم إلى قسمين أحدهما شمالي والآخر جنوبي، كما يتضح من (الشكلين الرقم 4، والرقم 5)، يفصل بينهما خط الاستواء السماوي؛ وهو دائرة تقطع السماء من الشرق إلى الغرب، ويعتبر امتدادا لخط الاستواء الأرض. وعلى ذلك تسمى النجوم والبروج التي تقع إلى جنوب خط الاستواء بالنجوم أو البروج الجنوبية أو اليمانية (نسبة إلى اليمن كما سماها عرب الجزيرة العربية في الماضي لأن اليمن تقع إلى الجنوب منهم). وكذلك فالنجوم التي تقع إلى الشمال من خط الاستواء السماوي تسمى النجوم الشمالية أو الشامية (نسبة إلى بلاد الشام التي تقع إلى شمال الجزيرة العربية). فالنجوم الجنوبية ترى من نصف الكرة الشمالي قريبة من الأفق الجنوبي للسماء، فيُرى "سهيل" في بلاد الشام والعراق وشمال الجزيرة العربية ومصر في الأفق الجنوبي وباتجاه الجنوب تماماً، بينما لا يُرى "سهيل" من تركيا أو أوروبا، ويُرى في الصومال أو استراليا في كبد السماء. والنجم سهيل، أبيض مصفر، يبدو في السماء نجماً وحيداً لا ينتمي إلى برج أو مجموعة من النجوم. فهو من النجوم الساطعة، يظهر في أقصى الأفق الجنوبي عند مشاهدته من البلاد العربية، وأفضل وقت لرؤيته هو شهرا يناير وفبراير، ويرى عادة إلى الجنوب من برج الكلب الأكبر.
وهذا النجم يغير لونه بسرعة خاطفة، إذ تظهر منه عدة ألوان كالأزرق المخضر والأحمر والأصفر، وهذا ما عناه الشاعر عندما قال:
|
وسهيل كوجنة المُحب في اللون | |
وقلب المحب في الخفقان |
كما أن العرب اهتدوا بمطالع النجوم لمعرفة الطقس والمناخ، إذ من أقوالهم في الماضي: إذا طلع سهيل، خف السيل، وبرد الليل، وامتنع القيل ... إلخ، كما قالوا: الصيف، أوله طلوع الثريا، وآخره طلوع سهيل، كما يدل سهيل على القبلة في بلاد الشام، ويظهر مقابلا لنجم القطب الشمالي.
وإذا وقف الإنسان ليرصد النجم على خط الاستواء، فإنه يستطيع أن يرى معظم النجوم، فإذا كان الراصد في شمال الكرة الأرضية، فإنه يرى جميع النصف الشمالي وجزءا من النصف الجنوبي فقط. وإذا وصل الراصد القطب الشمالي يصبح نجم القطب فوق رأسه والقطب الجنوبي عند سمت قدمه، أما إذا وقف الراصد على خط عرض 30 درجة شمالاً، فإن زاوية ارتفاع نجم القطب الشمالي تكون 30 درجة، ويكون خط الاستواء السماوي إلى جنوب سمت رأسه بمقدار 90 - 30 = 60 درجة فوق أفقه الجنوبي.
2- تسمية البروج إن تسمية البروج قديمة جدا، وبعض البروج المشهورة، مثل برج الجوزاء (الجبار)، وبرج الدب الأكبر، وردت في أشعار هوميروس الإغريقي في القرن الثامن قبل الميلاد. وفي القرن الثالث قبل الميلاد، تمكن الإغريق من إدراج أسماء 44 برجا. وفي القرن الثاني بعد الميلاد، وضع بطليموس فلكي الإسكندرية المشهور وصفا مفصلاً، يتضمن 48 برجاً مع أسمائها، وذكر تفصيل ذلك في كتابه المشهور المجسطي، ثم قام أبو عبد الرحمن الصوفي بوصف البروج ورسمها في كتابه المشهور صور الكواكب الثمانية والأربعين. وكان العرب يطلقون على البرج كوكبة وجمعها كواكب وكوكبات، وبرع العرب المسلمون في القرون الوسطى في تصنيف البروج وتسميتها، وكان للبرج الواحد أكثر من اسم واحد، وبعضها لا يزال يحمل الاسم العربي إلى وقتنا الحاضر.
وقد جاءت أول محاولة لرسم خريطة سماوية تظهر عليها البروج السماوية على يد العالم الألماني الفلكي بطرس أبيانس Petrus Apianus، الذي رسم البروج المعروفة الثمانية والأربعين وأضاف عليها برجين آخرين.
وفي سنة 1603، قام العالم الفلكي الألماني جوهان باير Johann Bayer بوضع أول أطلس سماوي فيه تفصيلات ورسومات للبروج الثمانية والأربعين المعروفة، وأضاف إليها 12 برجاً جديداً لنصف الكرة الجنوبي، كما وضع حروفا لاتينية لكل نجم من نجوم البروج لتميزها. وفي سنة 1679، تمكن العالم الفرنسي أوجستين روير Augustine Royer من نشر خريطة للنجوم والبروج، وأضاف إليها بعض البروج الجديدة. وفي سنة 1763، أضاف العالم الفرنسي نيكولا لوى دى لاكاى Nicolas Louis de Lacalle، 14 برجاً لنصف الكرة الجنوبي.
وأخيراً في سنة 1930، قام الاتحاد الفلكي العالمي International Astronomical Union بوضع الحدود للبروج، وتمييز 88 برجاً بشكل رسمي، منها 28 برجاً في نصف الكرة الجنوبي، و12 برجاً عند دائرة البروج، و48 برجا في نصف الكرة الشمالي.
3- الاهتداء والاستدلال بالبروج والنجوم كان الإنسان القديم يهتدي بشروق الشمس وموقعها من السماء نهارا للاستدلال على الجهات الأربع والمواقيت، وكان في الوقت نفسه يهتدي بالنجم ليلا ليستدل على الجهات الأربع في أثناء أسفاره في الصحاري أو البحار.
ففي نصف الكرة الشمالي تعرف الإنسان منذ القدم على نجم يقع فوق القطب الشمالي تقريباً، يبقى موقعه ثابتا وحركته الظاهرية الناتجة عن دوران الأرض حول محورها أو حول الشمس تكاد تكون معدومة، وهو نجم القطب الشمالي بولاريس Polaris، وللاستدلال على نجم القطب الشمالي استخدم برج الدب الأكبر من أجل ذلك، كما يوضح (الشكل الرقم 4) وهو تشكيلة جميلة من النجوم تقع قرب موقع بولاريس. وبرج الدب الأكبر عبارة عن تشكيلة رائعة مكونة من سبعة أنجم تظهر في السماء الشمالية، وتُعرف أيضًا بالمغرفة، للشبه الكبير بينه وبين المغرفة في شكله، كما يدعى عند العرب بنات نعش أو المحراث. وهذه المجموعة النجمية تدور حول القطب الشمالي وكأنه مركز لها. والحقيقة أن نجم القطب هو مركز تدور حوله النجوم جميعها، إلاّ أن البعيدة منها عن القطب يظهر مسارها مستقيماً، بينما تظهر حركة النجوم القريبة دائرية تدور حول نجم القطب، الذي يبدو وكأنه مركز السماء ومن حوله تدور النجوم.
إن النجم الأول من يد المغرفة (ذيل الدب) يدعى القائد، والذي يليه يدعى العناق، وهو نجم ثنائي مكون من نجمين، ولقرب المسافة بينهما، فإنهما يُريان بالعين المجردة نجماً واحداً. وكان العرب القدماء يستعملون هذين النجمين اختباراً لقوة النظر، فالذي نظره قوى يراه اثنين. واسم النجمين الثنائيين الكور والمئزر، والخافت منهما هو الكور (أو السهى). ولا يستطيع أحد في الوقت الحاضر أن يرى السهى بالعين المجردة وربما كان ذلك بسبب أن المئزر خفت شدته والكور زادت شدته في أيامنا هذه، لذلك فإن المثل العربي القديم يقول: "أُريه السُّهى ويُريني القمر". ولكي نستدل على نجم القطب في تشكيلة الدب الأكبر، نراقب آخر نجمين فيها ويدعيان المؤشران، ونصل بينهما، ونمدهما على استقامتهما بقدر خمسة أضعاف لنصل إلى نجم واضح هو نجم القطب الشمالى أو بولاريس. فإذا عرفنا اتجاه الشمال يكون الجنوب خلفنا والشرق يميننا والغرب يسارنا، واستخدمه العرب المسلمون منذ القدم في تحديد القبلة، ويُرى الدب الأكبر في معظم فصول العام خاصة في فصل الربيع.
أمّا برج الدب الأصغر، فهو عبارة عن مجموعة خافتة مكونة من سبعة أنجم، أحدها هو نجم بولاريس، والنجوم الباقية خافتة نسبيا. وهي في تشكيلاتها تشبه تماما تشكيلة الدب الأكبر، وتدور حول نجم القطب دورة صغيرة كاملة، وترى في معظم أيام السنة. ويدعى النجمان الأخيران من مجموعة الدب الأصغر "الفرقدين"، وهما مشهوران عند عامة الناس.
أمّا نجم القطب الشمالي فيبعد عن الأرض بحوالي 400 سنة ضوئية، وقوة لمعانه الحقيقية تعادل قدر لمعان الشمس "1500" مرة. ويقع هذا النجم على امتداد محور الأرض جهة الشمال عبر الفضاء، ويظهر هذا النجم ثابتا لا يتحرك بينما تدور حوله جميع النجوم. ومن البروج التي تدور حول نجم القطب ويمكن بواسطتها الاستدلال عليه برج كاسيوبيا أو ذات الكرسي، وبرج التنين، وبرج فيفاوس.
وتتناول الدراسة التالية البروج في كل من الفصول الأربعة كل على حدة:
4- بروج الشتاء إن أشهر وأوضح البروج في فصل الشتاء التي يمكن تمييزها بسهولة هي برج الجوزاء (الجبار)، وبرج الثور، وبرج الكلب الأكبر، والكلب الأصغر، والثريا، والتوأمين.
أ- برج الجوزاء (الجبار)
هو أنصع وأجمل تشكيلة من تشكيلات النجوم، ويعتبر درة من السماء تظهر في ليالي الشتاء. وهذا البرج مكون من عدد كبير من النجوم الساطعة، والبرج يمثل صياداً جباراً عريض المنكبين يمتدان من منكب الجوزاء إلى المرزم وفي الوسط ثلاثة نجوم متقاربة تُعرف بالنطاق. وتحت النطاق يوجد نجم وسديم يدعى بسديم الجبار، والمجموعة هي عبارة عن غاز وغبار كوني ونجم يتدلى من النطاق إلى نجم السيف. ويظهر الجبار، وهو فارج الرجلين ويحمل بيديه قوساً ضخماً مكوناً من عدة نجوم، وتتمثل رجل الجبار اليمنى بنجم ريجيل واليسرى بنجم السيف.
ب- برج الكلب الأكبر
يقع برج الكلب الأكبر إلى الجنوب الشرقي من الجوزاء وأهم نجومه الشعري اليمانية، وهي أقوى النجوم لمعانا على الإطلاق، فالشعرى اليمانية نجم أبيض متوهج. ومجموعة الكلب الأكبر مكونة من عدة نجوم تشبه كلبا يجلس القرفصاء، ويمثل الشعرى اليمانية رأس الكلب، وسميت الشعرى اليمانية لكونها في الجنوب ووردت في القرآن الكريم في قوله تعالى:وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى . ويقول البحتري الشاعر العباسي المعروف: |
إذا قلت شعراً فالنجوم رواته | |
ومن ذا رأى الشعري روت لامرئ شعرا |
|
وما أنا ممن يركب الشعر قدره | |
و لكن قدري يركب الشعر والشعرى |
والشعرى اليمانية نجم ثنائي، والنجم المرافق للشعرى اليمانية نجم صغير كثافته عالية جدا خافت الضياء ويدور حول الشعرى اليمانية، وأفضل الأوقات لمراقبة الشعرى اليمانية وبرج الكلب الأكبر هو فصل الشتاء.
ج- برج الكلب الأصغر
تتألف هذه المجموعة من نجمين اثنين فقط، أحدهما ساطع جداً وهو نجم أبيض مصفر، وتسميه العرب الشعرى الشامية، والنجم الآخر نجم خافت. وتشكل الشعرى الشامية، مع الشعرى اليمانية، ومنكب الجوزاء مثلثاً سماوياً من النجوم الساطعة في فصل الشتاء.
د- برجا الثور والثريا
يظهر برج الثور إلى الشمال الغربي من برج الجوزاء، والنجم الرئيسي فيها نجم الدبران، وهو نجم برتقالي اللون، وتوجد بجانبه خمسة أنجم متقاربة تُعرف القلائص. وإلى الشمال الغربي من القلائص مباشرة عدة نجوم خافتة متقاربة تُعرف بعقد الثريا، وهي ستة نجوم، ويراها بعض الأشخاص سبعة نجوم، وتعتمد عادة على قوة العين، فقد قال الشاعر العربي في ذلك:
|
إذا ما الثريا في السماء تعرضت | |
يراها الحديد العين سبعة أنجـم |
|
على كبـد الجرباء وهي كأنهـا | |
جبيـرة در ركبت فوق معصم |
فهي إذن ستة أو سبعة أنجم، وعند النظر إليها بالتلسكوب تظهر لنا مكونة من عنقود نجمي، والثريا هي جزء من برج الثور، ويتبرك العرب بها، بينما يعتبرون الدبران نجماً مشئوماً، كما يعتبرون المسافة بين الدبران والثريا شؤماً ونحساً.
هـ- برج التوأمان
أفضل وقت لرؤيته هو شهر فبراير، إذ يظهر إلى الشمال الشرقي من الجوزاء وفيه نجمان ساطعان توأمان هما كاستور وبلوكس. ويظهر عند مشاهدته بواسطة التلسكوب نجماً سداسياً مكوناً من ستة أنجم تدور حول مركز معين بينهما.
5- بروج الربيع أهم البروج في هذا الفصل هو برج الأسد، وبرج العذراء، وبرج العواء. أ- برج الأسد أفضل الأوقات لرؤية هذا البرج هو شهر أبريل أو مايو، إذ يظهر إلى الجنوب من برج الدب الأكبر وغير بعيد عن خط الاستواء السماوي. وهو مؤلف من نجم ساطع هو نجم قلب الأسد، ويبدو رأس الأسد كأنه منجل الحصاد فيسمى المنجل، والتشكيلة بكاملها تشبه الأسد إلى حد بعيد.
ب- برج العذراء
يظهر هذا البرج إلى الجنوب الغربي من برج الأسد، إلى الجنوب من خط الاستواء السماوي مباشرة، وأفضل وقت لمشاهدته هو شهر مايو، والنجم الرئيسي لهذا البرج هو السنبل، وهو نجم ساطع أبيض مزرق.
ج- برج العواء
يظهر هذا البرج إلى الشمال من برج العذراء، وإلى الجنوب الشرقي من برج الدب الأكبر، ويبدأ بالظهور من الشرق في شهر أبريل ويصبح في الأيام الأولى من شهر يونيه في وسط السماء. والنجم الرئيسي فيه هو السماك الرامح، وهو نجم برتقالي ساطع جدا. وعندما يبدأ العواء بالظهور من الشرق يكون ذلك إيذاناً بانتهاء البرد وفصل الشتاء، وسُمِّيَ البرج بالعواء، لأنه يظهر بعد انتهاء البرد وكأنه يعوي في أثره.
6- بروج الصيف وأهم البروج في هذا الفصل هي : برج العقرب، وبرج العقاب (النسر الطائر)، وبرج القيثارة (النسر الواقع)، وبرج الأوزة أو الدجاجة.
أ- برج العقرب
يظهر هذا البرج في فصل الصيف، خاصة في شهري يوليه وأغسطس، وهو تشكيلة ساطعة تُرَىَ بوضوح على شكل عقرب تماما، والنجم الرئيسي في هذا البرج هو قلب العقرب الأحمر، وهو نجم أحمر عملاق يظهر من الأرض كأنه أكثر النجوم حمرة. وبقية التشكيلة عددها حوالي 16 نجماً تتكون من أربعة أجزاء هي: الزباني، والقلب، والإكليل، والشولة.
ب- برج العقاب (النسر الطائر)
يرى هذا البرج في فصل الصيف، خاصة في شهر أغسطس، في وسط السماء، قرب خط الاستواء السماوى، والنجم الرئيسي في هذا البرج هو نجم الطير، ويمثل هذا النجم رأس الطير ممدود الجناحين.
ج- برج القيثارة (النسر الواقع)
يقع هذا البرج إلى الشمال من برج العقاب ونجمه الرئيسي هو النسر الواقع، وهو من أكثر النجوم الشمالية لمعاناً، وهو نجم أبيض ساطع، يظهر في شهر أغسطس مع مجموعة متقاربة من النجوم تشبه القيثارة.
د- برج الأوزة أو الدجاجة
يظهر هذا البرج في فصل الصيف، خاصة في شهر أغسطس، وشكل هذا البرج يشبه الأوزة ذات الرقبة الطويلة والذنب القصير، والذنب هو نجم لامع يدعى الذنب. والنجوم الساطعة في هذا البرج تشبه الصليب، لذلك تُعرف هذه التشكيلة بالصليب الشمالي.
ونجم الذنب هو نجم عملاق ساطع جداً، وفي هذا الفصل يشكل كل من نجم النسر الطائر، والنسر الواقع، والذنب، مثلثاً جميلاً يدعى مثلث الصيف، يظهر بوضوح في شهر أغسطس بعد الغروب بفترة قصيرة.
7- بروج الخريف أهم البروج التي تظهر في هذا الفصل، إضافة إلى برج الدب الأكبر وبرج الدب الأصغر، برج كاسيوبيا، وبرج فرشاوس، وبرج الأندروميدا (المرأة المسلسلة).