عدد الرسائل : 10216 العمر : 46 تاريخ التسجيل : 08/04/2007
موضوع: مهمة الى كوكب عطارد الخميس يناير 28, 2010 2:48 am
مهمة الى كوكب عطارد
الهواة أو المحترفون في علم الفلك Astronomy يدركون أن افضل وقت لمراقبة كوكب عطارد Mercury بالتلسكوب، سيكون بعد غروب الشمس بقليل . ذلك انه يظهر في تواريخ محددة من السنة في السماء الغربية كنجمة باهتة اللون .
وسبب ظهوره بعد غياب الشمس بقليل في الافق الغربي للسماء، قربه الشديد من الشمس، إذ يبلغ معدل مسافته منها حوالي 58 مليون كيلومتراً ( مقارنة بكوكب الأرض التي يصل معدَّل مسافتها من الشمس الى حوالي 150 مليون كيلومتراً) .
وما تعرفه البشرية عن عطارد قليل جدا ً مقارنة بالكواكب الاخرى، فالمرة الوحيدة التي زارته مركبة من الأرض، كانت المركبة مارينر- 10 التي دارت حوله 3 مرات بين العامين 1974 و 1975 . لكن هذا الامر سيتغير الآن مع انطلاق مركبة ماسينجر Messenger التي ستصل الى هدفها في العام 2009 في مهمة جديدة لإستكشاف هذا الكوكب.
و قد اظهرت الصور التي أرسلتها مارينر -10 منذ أكثر من 25 سنة الى الأرض كأن سطح عطارد نسخة شبه مطابقة لسطح القمر .
فقد تعرض سطح الكوكب مثل القمر الى قصف كثيف من النيازك والكويكبات الصغيرة في المراحل الاولى لنشوء النظام الشمسي . وفي ذلك الوقت كانت السحابة السديمية التي تشكلّت في داخلها الكواكب والأقمار تحتوي على الكثير من هذه النيازك أو الكويكبات التي كانت تنتهي بالاصطدام بالكواكب أو الأقمار الحديثة التكوّن .
ومفاجآت مارينز لم تتوقف عند هذا الحد، فقد التقطت المركبة موجة من الجزيئات المشحونة التي تقذفها الشمس و تسمى الرياح الشمسية، و المرتدة عن الكوكب . وهو مالا يمكن حدوثه إلا اذا كان لدى الكوكب حقلا ً مغناطيسيا ً كبيرا ً .
و قد ادى ذلك الى إزدياد حيرة العلماء اذ كيف يمكن لكوكب أكبر من القمر بـ 40% فقط أن يمتلك حقلا ً مغناطيسيا ً قويا ً؟! ومن أين جاءته هذه الكثافة العاليةHigh Density ؟
و بناءاً عليه دارت الإقتراحات العلمية حول فكرة وجود نسبة عالية من المعادن في كتلة الكوكب، تفوق النسبة الموجودة في كوكب الأرض مقارنة بحجمه .
ثلاث نظريات
وهكذا، فبدلاً من أن تجيب مهمة مارينر عن أسئلة العلماء، طرحت أمامهم أسئلة جديدة ستحاول المركبة ماسينجر الاجابة عنها فيما بعد. وستحصر هذه المهمة الجواب في واحدة من النظريات الثلاث الحالية التي تشرح كيفية امتلاك عطارد لحقل مغناطيسي قوي .
النظرية الاولى : إن كوكب الأرض مثله مثل الكواكب الأرضية Terrestrial الاخرى ( الزهرة – المريخ) تتكون كتلته Mass من الحديد بنسبة الثلث، و هذا الحديد المنصهر يوجد في قلب الكوكب، فيما يتكون الثلثان الباقيان من مادة السيليكايت Silicateالموجودة في القشرة المحيطة بالقلب .
ومع أن كوكب عطارد بدأ حياته منذ مليارات السنين مثل الأرض، فان سببا ً ما أدى الى خسارته قشرة السيليكايت حتى اصبح الكوكب كما هو عليه الآن يحتوي على نسبة كبيرة من الحديد .
فماذا عساه يكون هذا السبب؟! هل تسببت عواصف الرياح الشمسية بتجريد عطارد من قشرته الخارجية؟!
النظرية الثانية : أن يكون عطارد قد بدأ كما في النظرية الاولى، كوكباً كبيرا ً، ثم فقد قشرته الخارجية ليس بسبب التفاعل مع الشمس وانما بسبب الإصطدام بكوكب آخر أو كويكب كبير .
والإصطدامات بين الكويكبات أو الكواكب كانت أمرا ً شائعا ً في بدايات النظام الشمسي منذ مليارات السنين . حتى أن النظرية السائدة اليوم عن نشوء القمر تستند الى إصطدام حدث بين كوكب الارض وكوكب آخر، أدى في نهاية المطاف الى نشوء القمر.
النظرية الثالثة: وهي النظرية الاهم . وفحواها أنه عندما كان النظام الشمسي قرصاً هائلاً من الغاز والغبار ولم تكن الكواكب قد ولدت بعد كانت المواد الموجودة في القرص هذا في المنطقة الغربية من الشمس ( في مدار عطارد اليوم) غنية بالجزيئات المعدنية التي إلتحمت على مدى عشرات ملايين السنين لتكوين كوكب عطارد.
ويعتقد العلماء أنه اذا كانت هذه النظرية صحيحة فإنها ستؤدي الى تغيير أفكارهم حول آلية نشوء الأنظمة الشمسية .
وبالتالي فان فهم نشوء عطارد أصبح اليوم في قلب مسألة مهمة اخرى . وهي كيفية نشوء الأنظمة الشمسية حول نجوم اخرى غير شمسنا، وامكان أن تكون هذه الأنظمة قادرة على إنتاج كواكب تسمح للحياة بالتطور عليها .
واحدى الطرق لتأكيد النظرية الثالثة عن كيفية نشوء عطارد هي مراقبة الاقراص التي تدور حول نجوم أخرى لدرس الآلية التي ستؤدي في نهاية الأمر الى نشوء كواكب حول هذه النجوم .
ولكن بما أن هذا الأمر ليس في متناول العلماء حالياً، فان الحلَّ المتاح يكون بدرس كوكب عطارد وهذا ما ستحاول ماسينجر القيام به .
ماسينجر Messenger
عندما تصل المركبة الى عطارد ستسعى عبر إختبارات عدة ستقوم بها، الى ترجيح كفّة واحدة من النظريات الأنفة الذكر . إذ ستقوم المركبة بدرس المواد التي يتكون منها سطح الكوكب .
وهي ستستعين بمقياس الطيف Spectrometerالذي يعمل على أشعة اكس وغاما
( X ray & Gamma-ray) لقياس العناصر الموجودة في الصخور السطحية .
كما سيقوم مقياس طيفي آخر يعمل على الضوء مادون الأحمر بتقرير أي نوع من المعادن موجود في هذه الصخور .
وبعد هذه السلسلة من الإختبارات سيكون لدى العلماء معلومات كافية عن الكوكب تسمح في النهاية بتحديد تاريخه .
وسيحاول العلماء ايضا ً درس السهول التي يعتقد غالبيتهم أن لها ماض ٍ بركاني . و ستقوم ماسينجرلهذا السبب بمراقبة سطح الكوكب بأكمله لإستكمال جمع المعطيات العلمية المختلفة . وكانت المركبة مارينر منذ أكثر من 25 سنة قد إقتصرت مراقبتها على 45% من السطح فقط .
وستسمح ماسينجر لفريق العلماء الذي يتابع مهمتها، بتكوين خارطة طوبوغرافية ثلاثية الأبعاد لسطح الكوكب، التي ما ان تتم مقارنتها بحقل جاذبية الكوكب ستسمح بتحديد التغييرات المختلفة في سماكة القشرة الأرضية لعطارد .
الحقل المغناطيسي
عند تناول أي حقل مغناطيسي لأي كوكب فان الأنظار تتجه فورا ً الى قلب الكوكب . فالحقل المغناطيسي للأرض على سبيل المثال و الذي يحميها من الرياح الشمسية العاتية، هو نتيجة لحركة الصهارة في الأطراف الخارجية لقلب الأرض .
اما القمر وكوكب المريخ فليس لهما حقول مغناطيسية تذكر لأن قلبهما برد وتوقفت الصهارة عن الحركة . أما عطارد فلا تزال النظريات غير مؤكدة حول أسباب امتلاكه لحقل مغناطيسي . علماً ان التجارب التي ستجريها ماسينجر ستسمح بمعرفة الأحوال في قلب الكوكب وعلاقتها بالحقل المغناطيسي .
كما ان معرفة أسرار هذا الحقل في عطارد وطريقة تفاعله مع الرياح الشمسية ستلقي الضوء أكثر على طبيعة الحقل المغناطيسي للأرض .
ماذا يوجد في القطبين ؟!
محور عطارد يكاد يشكل زاوية قائمة مع مدار الكوكب حول الشمس . وهذا يعني ان داخل بعض الفجوات في القطبين يبقى في الظل، حيث تصل الحرارة الى ما دون 212 درجة مئوية تحت الصفر .
وقد دلَّت المراقبة بواسطة موجات الرادار في العام 1991 ان هذه الفجوات قد تحتوي على الجليد . ويتكهن العلماء بأن هذا الجليد حملته المذنبات والنيازك التي إرتطمت بسطح الكوكب على مدى مليارات السنين .
ويُعتقد أن المصدر الآخر لجزيئات الماء المتجلدة في فجوات القطبين قد يكون بخار الماء المتسرب من باطن الكوكب الذي يعود ويترسب داخل الفجوات، على شكل جليد تسببه درجات الحرارة الباردة هناك .
وما ستقوم به ماسينجر هو محاولة تأكيد وجود الماء في الفجوات القطبية من خلال مطياف أشعة غاما ومطياف النيترون اللذين سيحاولان تبيان وجود ذرات الهيدروجين Hydrogen Atoms الموجودة في جزيئات الماء Water Molecules .
..وفي الغلاف الجوي؟!
قد لا يصح إطلاق عبارة " غلاف جوي" على مجمل الغازات التي تحيط بكوكب عطارد . فتركيز Concentration هذه الغازات قليل جدا ً ، حتى أن جزيئات Molecules هذه الغازات لا تصطدم ببعضها بعضا .
وستحاول ماسينجر التأكد من وجود 6 عناصر في غلاف عطارد وهي الهيدروجين Hydrogen والهيليوم Helium ، والاوكسيجين Oxygen، والصوديوم Sodium، والبوتاسيوم Potassium ، والكالسيوم Calcium . ما سيؤدي الى معرفة الآليات الطبيعية التي سببت وجود هذه العناصر بحالتها الغازية في الغلاف .
مهمة من نوع آخر
و مهمة ماسينجر ليست كمهمات إستكشاف القمر والمريخ التي ستؤدي ذات يوم الى إقامة مستعمرات بشرية، فهي مهمة ترتبط بزيادة الفهم العلمي للظروف التي أدت الى تكوين نظامنا الشمسي . وبالتالي الى إمتلاك الأدوات الفكرية التي ستسمح للإنسان بتكوين نظريات فعَّالة تشرح عمليات تكوين الأنظمة الشمسية حول النجوم .
كما ستؤدي في العقد الحالي كغيرها من مهمات إستكشاف نظامنا الشمسي الى توسيع الصورة التي نشاهد بها الكون حتى إذا جاء اليوم، وشاهد البشر كواكب اخرى في أنظمة شمسية اخرى، يكونون قادرين على تأكيد وجود الظروف الطبيعية لنشوء كواكب تدعم وجود الحياة ... أو ربما نفيها .