sokaty Admin
عدد الرسائل : 5121 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: سليمان الحلبي عربي حتي النخاع السبت مايو 29, 2010 4:18 pm | |
| [size=16]سليمان الحلبي عربي حتي النخاع
لم يكن \"سليمان الحلبي\" (1777- 1800) فارساً أو مقاتلاً، ولم يروِ لنا التاريخ أنه كان عملاقاً ضخم الجثة عريض المنكبين.. ببساطة لم يكن \"سليمان\" سوى شاب عربي بسيط لا يختلف عن أي شاب آخر، وكعادة أغلب الشباب حينها، سافر \"سليمان\" إلى مصر حيث قضى ثلاث سنوات تردد فيها على الأزهر وحفظ القرآن، وعاد بعدها إلى مدينته حلب حيث يعيش.. وإن لم تغب مصر وأهلها أبداً عن قلبه وتفكيره..
رأس كليبر.. مقابل رفع الضرائب!
وفي مطلع سنة 1800 م، وبعد أن أدى \"سليمان\" فريضة الحج سافر إلى القدس ليزور المسجد الأقصى، وفي القدس قابل حاكم المدينة \"أحمد أغا\"، وشكى إليه \"سليمان\" قسوة زميله حاكم حلب الذي فرض ضرائب كبيرة على تجار حلب –ومن بينهم والد \"سليمان\"– مما أصابهم بالركود، فأبدى حاكم القدس استعداده لأن يتدخل ويرفع عن والد \"سليمان\" كل الضرائب بشرط واحد فقط، هو أن يقوم \"سليمان\" بقتل قائد الحملة الفرنسية في مصر.. الجنرال \"كليبر\"..
والحقيقة أن \"سليمان الحلبي\" لم يوافق على قتل \"كليبر\" من أجل رفع الضرائب عن والده، فاغتيال \"كليبر\" ليس أمراً بسيطاً، فهو بالضبط مثل أن يفكر أحد الأشخاص حالياً في اغتيال الرئيس الأمريكي، و\"سليمان\" كان يعرف تماماً أنه لن يرجع حياً بعد تنفيذ عملية الاغتيال..
والواقع أن \"سليمان\" وجد في اقتراح حاكم القدس فرصة لأن يشارك في الجهاد ومقاومة العدو الفرنسي، خاصة وأن \"سليمان\" كان قد سمع كثيراً عن الفظائع التي ارتكبها الفرنسيون في مصر، وعن مذابح \"نابليون\" في فلسطين ومدن الشام، وقبل كل هذا تدنيس الفرنسيين للجامع الأزهر بخيولهم، و\"سليمان\" كان في النهاية واحداً من أبناء الأزهر.. ومن القدس سافر \"سليمان الحلبي\" إلى غزة حيث اشترى خنجراً من هناك، ثم التحق بأول قافلة مسافرة إلى مصر، وبدأ العد التنازلي..
مفيش.. مفيش.. كليبر يتكلم عربي
عندما وصل \"سليمان\" إلى القاهرة توجه على الفور إلى الجامع الأزهر حيث التقى بأربعة من أصدقائه يدرسون به، وصارحهم \"سليمان\" بحقيقة المهمة التي جاء من أجلها، فاتهموه بالجنون، فلا يمكن تنفيذ هذه المهمة و\"كليبر\" بين حرسه وجنوده، ويبدو أنهم اعتبروها نزوة عابرة مرت بذهنه، المهم أنهم وفروا له الإقامة بالأزهر معهم، رغم أن التعليمات الفرنسية كانت تقتضي ألا يدخل أي غريب إلى الأزهر دون أن يتم إبلاغهم عنه، ولكن أصدقاء \"سليمان\" لم يبلغوا السلطات الفرنسية عن وصوله.. وفي اليوم الـ31 لـ\"سليمان\" في القاهرة، قرر أن ينفذ مشروعه..
كان ذلك يوم السبت 14 يونيو سنة 1800 م، صحا من نومه وصارح أصدقاءه الأربعة بأنه قرر اغتيال \"كليبر\" اليوم، فحاولوا منعه لأنه من المستحيل أن ينجح، لكنه تركهم وذهب إلى قصر الألفي بالأزبكية وهو المقر الرسمي لـ\"كليبر\"، كان \"كليبر\" قد عبر النيل إلى الروضة ليستعرض الفيلق اليوناني الذي تم تشكيله مؤخراً ليعاون جيش الحملة، وتوجه بعدها إلى قصر الأزبكية، وكان \"سليمان\" قد سبقه إلى هناك ونجح في التسلل إلى القصر..
كان القصر قد تعرض لهجمات الثوار بالمدافع والقنابل، واحترقت أجزاء منه وبعض الأسقف، وكان \"كليبر\" قد عهد بمهمة إصلاح القصر إلى المهندس \"بروتان\"، وكان \"كليبر\" يريد أن يحول القصر إلى قلعة عسكرية، بدأ \"كليبر\" يتفقد العمل ويصاحبه \"بروتان\"، و\"سليمان\" يتبعه من غرفة إلى غرفة، وانتبه إليه الجميع، وظنوه واحداً من الفعلة الذين كانوا يملئون القصر ويقومون بحمل الأتربة ونقلها من الغرف، وكان على \"كليبر\" أن ينهي جولته سريعاً ليعبر حديقة القصر إلى المنزل المجاور حيث يسكن الجنرال \"داماس\" ليكون ضيف مأدبة الغذاء، وفي حديقة القصر، لاحظ أفراد الحاشية أن الشاب ذا العمامة الخضراء مازال يتبع موكب \"كليبر\"، فنهره حرس \"كليبر\"، فاختبأ \"سليمان\" بجوار ساقية في حديقة القصر، وبعد أن تناول \"كليبر\" الغذاء عند \"داماس\"، انطلق وحده دون حراسة ليعود ثانية إلى قصر الأزبكية ليتابع الإصلاحات، ولم يكن معه إلا المهندس \"بروتان\" الذي تأخر قليلاًٍ عن \"كليبر\" لينادي على الحرس، وكانت تلك هي اللحظة التي انتظرها \"سليمان\"، فاندفع من جوار الساقية مسرعاً تجاه \"كليبر\"، الذي تصور أن \"سليمان\" متسولاً يريد صدقة، فقال له \"كليبر\" بالعربية: \"مفيش مفيش\"..
ولكن \"سليمان\" اقترب من \"كليبر\" ومد له يده اليسرى وكأنه يود تقبيل يد الجنرال، وأرضى ذلك غرور \"كليبر\" ومد له يده اليمنى، فجذبه \"سليمان\" بقوة، وفي لحظة واحدة أخرج \"سليمان\" الخنجر وطعن \"كليبر\" أربع طعنات..
سقط \"كليبر\" بعد أول طعنة، وصرخ فانتبه \"بروتان\"، فاندفع نحو \"سليمان\" الذي انهال على \"بروتان\" طعناً.. وبسرعة غادر \"سليمان\" القصر، واختبأ في حديقة منزل مجاور..
مرّت 6 دقائق كاملة قبل أن ينتبه الجنود في القصر لمقتل \"كليبر\"، وأخيراً اندفع اثنان من الجنود إلى حيث يرقد \"كليبر\"، فأشار بيده وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة إلى الجهة التي هرب إليها \"سليمان\"، فظلا يبحثان عنه إلى أن قبضا عليه بعد ساعتين..
أن تموت راضيا عن نفسك..
وبمجرد أن عرف القصر ما جرى لـ\"كليبر\" حتى دقت طبول الحرب في كل المعسكرات الفرنسية، وتصوروا أن اغتيال \"كليبر\" بداية لثورة جديدة يقوم بها أهل القاهرة، وهكذا استعدوا بأسلحتهم وبعثوا بجواسيسهم ليجمعوا المعلومات، فلم يجدوا شيئاً مريباً، وصمموا على الانتقام، وقالوا: \"لا بد من قتل أهل مصر كلهم\"(!!)، أما أهل القاهرة فلم يكن لديهم أي تفسير لما جرى، وحدث اضطراب بينهم، يقول \"الجبرتي\": \"وقعت هوجة عظيمة بين الناس، وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال..\"..
أما الفرنسيون فقد خرجوا إلى الشوارع يقتلون كل من قابلهم في الشوارع من كبار أو صغار..
هدأت الأمور قليلاً بعد القبض على \"سليمان\"، وتراجع الفرنسيون عما كانوا قد قرروه من إبادة المصريين جميعاً، حين تيقنوا ألا علاقة لهم بالحادث، ترى كم مصري تم قتلهم خلال الساعتين أثناء البحث عن \"سليمان الحلبي\" لمجرد تصور خاطئ لجنود الحملة؟؟!
لم يكن لدى \"سليمان\" اعترافات كثيرة يدلي بها أمام المحققين، سوى تفاصيل رحلته إلى مصر، وعن دوافع اغتياله لـ\"كليبر\"، ولم يقل أكثر من أنه أراد الجهاد في سبيل الله بقتل كبير الفرنسيين في مصر.. وصدر أمر بالقبض على أصدقائه الأربعة أيضاً..
ثم شكلت محاكمة صورية، أدين فيها المتهمون جميعاً، وحكم عليهم بالإعدام، فتقرر أن تحرق يد \"سليمان\" اليمنى التي قتلت \"كليبر\"، ثم يخوزق حتى يموت، وتترك جثته على الخازوق حتى تأكله الطيور، وأن يقطع عنق الأصدقاء الأربعة باعتبارهم شركاء لـ\"سليمان\"؛ حيث لم يمنعوه عما أراد، ولم يبلغوا السلطات الفرنسية عنه.. على أن يتم التنفيذ أمام \"سليمان\" قبل تنفيذ الحكم فيه..
كانت محاكمة \"سليمان\" تنافي تماماً مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، لقد استغرقت المحاكمة يومين فقط، فقد وقعت عملية الاغتيال في يوم السبت 14 يونيو 1800 م، وانتهى التحقيق في اليوم نفسه، وبدأت المحاكمة يوم الأحد وصدر الحكم يوم الاثنين 16 يونيو، وتم التنفيذ يوم 17 يونيو، وهذا يدل على أن المحاكمة كانت صورية ليس أكثر، فلم تتح للمتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم، وحين صدر الحكم بالإعدام وبتلك الطرق البشعة، إذا بالجنرالات يزعمون أنهم سينفذون الإعدام طبقاً لعادات البلاد!! ولا ندري لماذا قرر الفرنسيون احترام العادات المصرية في هذه النقطة بالذات..
وهكذا تمت العملية التي تم التخطيط لها في القدس، وتنفيذها في القاهرة، وبيد شاب سوري بسيط، آمن بوطن عربي واحد كبير..
[/size] | |
|