بسم الله الرحمن الرحيم
فصل: العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع
إن الإسلام مبنى على أصلين:
• أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له.
• والثانى: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع.
،وقال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، من واجب ومستحب، لا نعبده بالأمور المبتدعة، كما ثبت فى السنن من حديث الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ. قال الترمذى: حديث حسن صحيح. وفى مسلم أنه كان يقول فى خطبته: (خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).
ولو حلف ليفعلن شيئا، لم يجب عليه أن يفعله، قيل: يجوز له أن يكفر عن اليمين، ولا يفعل المحلوف عليه، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذى هو خير، وليُكَفِّر عن يمينه)، وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتى بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)، فإذا كان النذر لا يأتى بخير فكيف بالنذر للمخلوق؟ ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان فى طاعة، وإذا كان معصية لم يجز الوفاء باتفاق العلماء، وإنما تنازعوا: هل فيه بدل، أو كفارة يمين، أم لا ؟
لما رواه البخارى فى صحيحه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نَذَرَ أن يطيع الله فَلْيُطِعْه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يَعْصِه).وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين، وقد تخاطبهم بكلام، وقد تحمل أحدهم فى الهواء، وقد تخبره ببعض الأمور الغائبة، وقد تأتيه بنفقة أو طعام، أو كسوة، أو غير ذلك، كما جرى مثل ذلك لعباد الأصنام من العرب وغير العرب، وهذا كثير، موجود فى هذا الزمان،
وغير هذا الزمان، للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة، إما بعبادة غير الله، وإما بعبادة لم يشرعها الله.فإن الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته، فإن قدر على أن يجعلهم كفارًا جعلهم كفارًا وإن لم يقدر إلا على جعلهم فساقا، أو عصاة، وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم، ببدعة يرتكبونها يخالفون بها الشريعة التى بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك!!
ولهذا قال الأئمة: لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهى، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير فى الهواء وتكون الشياطين هى التى تحمله، لا يكون من كرامات أولياء الله المتقينومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة، فيراه من يعرفه واقفًا، فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة ! فإذا قال له ذلك الشيخ: أنا لم أذهب العام إلى عرفة، ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرًا، وهى أحوال شيطانية، قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ))
ونسيانها هو ترك الإيمان والعمل بها، وإن حفظ حروفها، قال ابـن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألا يَضِلَّ فى الدنيا، ولا يَشْقَى فى الآخرة وقرأ هذه الآية، فمن اتبع ما بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من الكتاب حوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان، فإن هذه حال أوليائه: قـال تعـالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 62-63]
وتكون نعمة لله على عبده المؤمن فى دينه ودنياه، فتكون الحجة فى الدين والحاجة فى الدنيا للمؤمنين، مثل ما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: كانت الحجة فى الدين والحاجة للمسلمين، مثل البركة التى تحصل فى الطعام والشراب، كنبع الماء من بين أصابعه، ومثل نزول المطر بالاستسقاء، ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء، ومثل الأخبار الصادقة، والنافعة بما غاب عن الحاضرين، وأخبار الأنبياء لا تكذب قط.
وأما أصحاب الأحوال الشيطانية، فهم من جنس الكهان، يكذبون تارة ويصدقون أخرى، ولابد فى أعمالهم من مخالفة للأمر،
قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:221: 222].
ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار، التى تحبها الشياطين، ومرتكبا للفواحش، أو ظالما للناس فى أنفسهم وأموالهم، وغير ذلك، والله تعالى قد حرم {الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ} الآية [الأعراف: 33]
وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور، وهذه جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان، والله أعلم . ( فتاوى ابن تيمية )