موضوع: لحظة من فضلك هل تريد أن تحيا الجمعة نوفمبر 05, 2010 12:44 am
لحظة من فضلك هل تريد أن تحيا
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : "الحياة الطيبة أول طريقها: أن تعرف الله، وتهتدي إليه طريقاً يوصلك إليه، ويحرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة؛ فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة، فينجذب إليها بكلِّيَتِه، ويزهد في التعلُّقات الفانية، ويدأب في تصحيح التوبة، والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات الظاهرة والباطنة".
يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا والرزق الحسن وغير ذلك، والصواب أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال غيره: إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً.
وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح فإنه ملكها؛ ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره وهي عكس الحياة الطيبة" (مدارج السالكين).
فالحياة الطيبة مليئة بالراحة والهناء الحسي والمعنوي الظاهر والباطن من رزق حلال وسعادة ودوام الصلة بالله وانشراح الصدر، يشعر بها المؤمن ويذوق حلاوتها الموحد، فهي لذة تعتلج في القلب ولا تصفها الكلمات، فإذا استطعنا أن نحدد معنى تغريد العندليب وهبوب النسيم وعبيره وصدى الروابي، استطعنا وصف هذه الحياة إنها حياة تجيء إلى حشاشة الفؤاد من دون استئذان، وتسري فيه دون ممانعة من صاحب القلب الحي.
فوصف هذه الحياة بـ(الطيبة) هو وصف لازم لها، فليس المراد حياة اللعب واللهو بل الحياة الطيبة المؤمنة المتصلة بخالقها التي تجسد العبودية في سكناتها.. في افراحها.. في ألمها.. في كل منقلب لها.. فهي لله.. وبالله.. وعلى الله.. وثمة السعادة.
إن الصلة بالله هي قوام الحياة الطيبة، بها يسكن القلب، وتهفو الروح وتصلح الجوارح، ويُلم شعث الفؤاد؛ لأن "القلب لا يصلح ولا يفلح، ولا ينعم ولا يسر، ولا يطيب ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده، وحبه والإنابة إليه. ولو حصل له كل ما يلتذ لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه بالفطرة من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسطون والطمأنينة، وهذا لا يحصل إلا بإعانة الله له...
ولن يخلص من آلام الدنيا ونكد عيشها إلا بإخلاص الحب لله، بحيث يكون الله هو غاية مراده ونهاية مقصوده.. ومتى لم يحصل له هذا لم يكن قد حقق حقيقة(لا إله إلا الله) ولا حقق التوحيد والعبودية والمحبة لله.
وكان فيه من نقص التوحيد والإيمان، بل من الألم والحسرة والعذاب بحسب ذلك" (العبودية: ص54).
ولكي نشعر بهذه الحياة الطيبة ثمة شرط لا بد من توافره ألا وهو العمل الصالح، والأعمال الصالحة كثيرة متفاوتة في درجاتها وشعبها.
ولكن أعظمها وأهمها توحيد الله تعالى وطاعته، فكلما كان المرء أعظم توحيداً وأكثر طاعة كلما اكتمل طيب حياته وسرورها، وكلما ابتعد عن حقائق التوحيد ومعاني الطاعة كلما ازداد وحشةً وهماً وألماً.
فلننظر كيف يعيش الموحد الذي جعل رضا الله غاية له في جميع أعماله كيف يبدله الله بثقل التكليف راحة واطمئناناً وسكينة؟،
ولننظر أخرى إلى من شرد عن هدى الله كيف يبدله الله بالمشتهيات المحرمة ألماً وحيرة واضطراباً {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الملك: 22].