sokaty Admin
عدد الرسائل : 5121 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: الثلاثة الدين تخلفوا عن غزوة تبوك ؟نزلت فيهم أية كريمة،، قصة صدق و توبة الأحد مايو 02, 2010 1:50 am | |
| [right] كان هؤلاء الثلاثة حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك وكانوا قد تخلفوا عنها بلا عذر وأخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام بأنهم لا عذر لهم فخلفهم أي تركهم فمعنى { وعلي الثلاثة الذين خلفوا } أي تركوا فلم يبت في شأنهم لأن المنافقين لما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك جاؤوا إليه يعتذرون إليه ويحلفون بالله إنهم معذورون وفيهم أنزل الله هذه الآية { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } أما هؤلاء الثلاثة فصدقوا الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبروه بأنهم ليس لهم عذر فأرجأهم الرسول عليه الصلاة والسلام خمسين ليلة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم أنزل الله توبته عليهم . ثم قال بعد ذلك { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } فأمر الله تعالى المؤمنين بأن يتقوا الله وأن يكون يكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين وقال الله تعالى { والصادقين والصادقات } هذه في جملة الآية الطويلة التي ذكرها الله في سورة الأحزاب وهي { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } إلى أن قال { والصادقين والصادقات } إلى قوله { أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } فذكر الله الصادقين والصادقات في مقام الثناء وفيما لهم من الأجر العظيم . وقال تعالى { فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم } أي لو عاملوا الله بالصدق لكان خيراً لهم ولكن عاملوا الله بالكذب فنافقوا بالكذب وأظهروا خلاف ما في قلوبهم وعاملوا النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب فأظهروا أنهم متبعون له وهم مخالفون له، فلو صدقوا الله بقلوبهم وأعمالهم وأقوالهم لكان خيراً لهم ولكنهم كذبوا الله فكان شراً لهم . وقال الله { ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب } فدل ذلك على أن الصدق أمره عظيم وأنه محل للجزاء من الله تعالي . إذن علينا أن نصدق وعلينا أن نكون صادقين وعلينا أن نكون صرحاء وعلينا أن لا نخفي الأمر عن غيرنا مداهنة أو مراء . كثير من الناس إذا حدث عن شيء فعله وكان لا يدري فعله أم لا فإنه يكذب ويقول ما فعلت . لماذا ؟ أتستحي من الخلق وتبارز الخالق بالكذب ؟ قل الصدق ولا يهمنك أحد وأنت إذا عودت نفسك الصدق فإنك في المستقبل سوف تصلح حالك أما إذا أخبرت بالكذب وسوف تكتم عن الناس وتكذب عليهم فإنك سوف تستمر في غيك ولكن إذا صدقت فإنك تعدل مسيرك ومنهاجك . فعليك بالصدق فيما لك وفيما عليك حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم . أما حديث كعب بن مالك: فهو في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وكانت في السنة التاسعة من الهجرة غزا النبي صلى الله عليه وسلم الروم وهم على دين النصارى حين بلغه أنهم يجمعون له فغزاهم النبي عليه الصلاة والسلام وقام بتبوك عشرين ليلة ولكنه لم ير كيداً ولم ير عدواً فرجع وكانت هذه الغزوة في أيام الحر حين طابت الثمار والرطب وصار المنافقون يفضلون الدنيا على الآخرة فتخلف المنافقون عن هذه الغزوة ولجؤوا إلى الظل والرطب والتمر وبعدت عليهم الشقة والعياذ بالله . أما المؤمنون الخلص فإنهم خرجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يثن عزمهم بعد الشقة ولا طيب الثمار . إلا أن كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر وهو من المؤمنين الخلص ولهذا قال إنه ما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزوة غزاها قط - فهو من المجاهدين في سبيل الله إلا في غزوة بدر فقد تخلف فيها كعب وغيره لأن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج من المدينة لا يريد القتال ولذلك لم يخرج معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا لأنهم كانوا يريدون أن يأخذوا عيراً لقريش أي حملة قدمت من الشام تريد مكة وتمر قرب المدينة . فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يستقبل هذه العير ويأخذها وذلك لأن أهل مكة أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم وأموالهم . فلهذا كانت أموالهم غنيمة للنبي عليه الصلاة والسلام ويحل له أن يخرج ليأخذها وليس في ذلك عدوان من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل هذا أخذ لبعض حقهم المهم أن الرسول خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ليس معهم إلا سبعون بعيراً وفرسان فقط، وليس معهم عدة والعدد قليل ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد لينفذ ما أراد عز وجل . فسمع أبو سفيان وهو قائد العير أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه ليأخذ العير فعدل عن سيره إلى الساحل وأرسل إلى قريش صارخاً يستنجدهم - أي يغيثهم - ويقول: أنقذوا العير . فاجتمعت قريش وخرج كبراؤها وزعماؤها وشرفاؤها فيما بين تسعمائة إلى ألف رجل خرجوا كما قال الله عنهم، خرجوا بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله . ولما كانوا في أثناء الطريق وعلموا أن العير نجت تراجعوا فيما بينهم وقالوا العير نجت فما لنا وللقتال فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نقدم بدراً فنقيم فيها ثلاثاً ننحر الجزور ونسقي الخمور ونطعم الطعام وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً . هكذا قالوا، بطراً واستكباراً وفخراً ولكن الحمد لله صارت العرب تتحدث بهم بالهزيمة النكراء التي لم يذق العرب مثلها، لما التقوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وكان ذلك في رمضان في السنة الثانية من الهجرة في اليوم السابع عشر منه . التقوا فأوحى الله عز وجل إلى الملائكة: { إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا } انظر في الآية تثبيت للمؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا، فهو أقرب النصر في هذه الحال . فثبت الله المؤمنين ثباتاً عظيماً وأنزل في قلوب الذين كفروا الرعب . قال الله سبحانه: { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } أي كل مفصل فالأمر ميسر لكم . فجعل المسلمون ولله الحمد يجلدون فيهم فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين رجلاً والذين قتلوا ليسوا من أطرافهم، الذين قتلوا كلهم من صناديدهم وكبرائهم، وأخذ منهم أربعة وعشرين رجلاً يسحبون سحبا وألقوا في قليب من قلب بدر . سحبوا جثثا هامدة ووقف عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لهم يا فلان ابن فلان يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً فقالوا يا رسول الله كيف تكلم أناساً قد جيفوا ؟ قال والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون لأنهم موتى وهذه ولله الحمد نعمة علينا أن نشكر الله عليها كلما ذكرناها . نصر الله نبيه وسمى الله هذا اليوم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان . هذا اليوم فرق الله فيه بين الحق والباطل تفريقاً عظيما وانظر إلى قدرة الله عز وجل في هذا اليوم انتصر ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً على نحو ألف رجل أكمل منهم عدة وأقوى وهؤلاء ليس معهم إلا عدد قليل من الإبل والخيل لكن نصر الله عز وجل إذا نزل لقوم لم يقم أمامهم أحد وإلى هذا أشار الله بقوله { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } ليس عندكم شيء { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } ولما كان المسلمون حين فتحوا مكة وخرجوا باثني عشر ألفاً وأمامهم هوازن وثقيف فأعجب المسلمون بكثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم عن قلة فغلبهم ثلاثة آلاف وخمس مائة رجل غلبوا اثني عشر ألف رجل بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم لماذا . لأنهم أعجبوا بكثرتهم قالوا لن نغلب اليوم عن قلة فأراهم الله عز وجل أن كثرتهم لن تنفعهم . قال الله تعالى: { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } المهم أن كعب بن مالك رضي الله عنه لم يشهد بدراً لكن تخلف عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج لقتال إنما خرج للعير ولكن الله جمع بينه وبين عدوه على غير ميعاد . أتدرون ماذا حصل لأهل بدر ؟ اطلع الله عليهم وقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، كل معصية تقع منهم فإنها مغفورة لأن الثمن مقدم . فهذه الغزوة صارت سببا لكل خير، حتى أن حاطب بن أبي بلتعه رضي الله عنه لما حصل منه ما حصل في كتابه لأهل مكة عندما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يغزوهم غزوة الفتح كتب هو رضي الله عنه إلى أهل مكة يخبرهم ولكن الله أطلع نبيه على ذلك . أرسل حاطب بن أبي بلتعه الكتاب مع امرأة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عن طريق الوحي فأرسل علي بن أبي طالب وواحداً معه حتى لحقوها في روضة تسمى روضة خاخ، فأمسكوها وقالوا لها أين الكتاب ؟ فقالت ما معي كتاب فقالوا لها والله ما كذبنا ولا كذبنا أين الكتاب، لتخرجنه أو لننزعن ثيابك ؟ فلما رأت الجد أخرجته فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعه إلى قريش فأخذوه . والحمد لله أنه لم يصل إلى قريش فصار بهذا نعمة من الله على المسلمين وعلى حاطب لأن الذي أراد ما حصل . فلما ردوا الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا حاطب كيف فعلت كذا فاعتذر فقال عمر يا رسول الله ألا أضرب عنقه فإنه قد نافق قال له النبي عليه الصلاة والسلام أما علمت أن الله اطلع على أهل بدر أو إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وكان حاطب من أهل بدر رضي الله عنه . فالمهم أن هذه الغزاة تخلف عنها كعب، لكنها ليست غزاة في أول الأمر إلا في ثاني الحال وكانت غزاه مباركة ولله الحمد، ثم ذكر بيعته النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في منى، حيث بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام وقال إنه لا يحب أن يكون له بدلها بدر . أي هي أحب إليه من غزوة بدر لأنها بيعة عظيمة . لكن يقول كانت بدر أذكر في الناس منها أي أكثر ذكراً لأنها غزوة اشتهرت بخلاف البيعة . على كل حال كأنه يسلي نفسه بأنه إن فاتته بدر فقد حصلت له بيعة العقبة فرضي الله عن كعب وعن جميع الصحابة . يقول رضي الله عنه إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة أي غزوة تبوك كان قوي البدن ميسور الحال حتى إنه كان عنده راحلتان في تلك الغزوة وما جمع راحلتين في غزوة قبلها أبداً . وقد استعد وتجهز، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد غزوة - ورى بغيرها - أي أظهر خلاف ما يريد وهذا من حكمته وحنكته في الحرب، لأنه لو أظهر وجهه تبين ذلك لعدوه فربما يستعد له أكثر وربما يذهب عن مكانه الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم فيه . فكان مثلاً إذا أراد أن يخرج إلى الجنوب ورى وكأنه يريد أن يخرج إلى الشمال أو أراد أن يخرج إلى الشرق ورى وكأنه يريد أن يخرج إلى الغرب حتى لا يطلع العدو على أسراره إلا في غزوة تبوك فإنه قد بين أمرها ووضحها وجلاها لأصحابه وذلك لأمور: أولاً لأنها كانت في شدة الحر حين طابت الثمار والنفوس مجبوله على الركون إلى الكسل وإلى الرخاء . ثانياً: أن المدى بعيد من المدينة إلى تبوك ففيها مفاوز ورمال وعطش وشمس . ثالثاً أن العدو كبير وهم الروم اجتمعوا في عدد هائل حسب ما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك أوضح أمر الغزوة وأخبر أنه خارج إلى تبوك إلى عدو كثير وإلى مكان بعيد حتى يتأهب الناس فخرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف إلا من خذله الله بالنفاق وثلاثة رجال فقط هم كعب بن مالك ومرارة بين الربيع وهلال بن أمية رضي الله عنهم . هؤلاء من المؤمنين الخلص لكن تخلفوا لأمر أراده الله عز وجل أما غيرهم ممن تخلف فإنهم منافقون ومنغمسون في النفاق فخرج النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه وهم كثير إلى جهة تبوك حتى نزل بها هناك ولكن الله لم يجمع بينه وبين عدوه بل بقي عشرين يوماً في ذلك المكان ثم انصرف على غير حرب . يقول كعب بن مالك: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تجهز هو والمسلمون وخرجوا من المدينة أما هو رضي الله عنه فتأخر وجعل يغدو كل صباح يرحل راحلته ويقول ألحق بهم ولكنه لا يفعل شيئاً ثم يفعل كل يوم حتى تمادى به الأمر ولم يدرك . وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا لم يبادر بالعمل الصالح فإنه حرى أن يحرم إياه كما قال الله سبحانه: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون } فالإنسان إذا علم الحق ولم يقبل عليه ولم يعمل به أول مرة فإن ذلك قد يفوته ويحرم إياه والعياذ بالله كما أن الإنسان إذا لم يصبر أول مرة فإنه يحرم أجرها لقول النبي عليه الصلاة والسلام إنما الصبر عند الصدمة الأولى فعليك يا أخي أن تبادر بالأعمال الصالحة ولا تتأخر فتتمادى بك الأيام ثم تعجز وتكسل ويغلب عليك الشيطان والهوى فتتأخر . هو رضي الله عنه كل يوم يقول: أخرج ولكن تمادى به الأمر ولم يخرج . يقول فكان يحز في نفسي أنه إذا خرج إلى سوق المدينة وإذا المدينة ليس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا السابقين من المهاجرين والأنصار إلا رجل مغموس في النفاق والعياذ بالله قد غمسه نفاقه فلم يخرج، أو رجل معذور عذره الله عز وجل فكان يعتب على نفسه كيف لا يبقى في المدينة إلا هؤلاء وأقعد معهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكره ولم يسأل عنه حتى وصل إلى تبوك . فبينما هو جالس وأصحابه في تبوك سأل عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كعب بن مالك فتكلم فيه رجل من بني سلمة وغمزه ولكن دافع عنه معاذ بن جبل رضي الله عنه فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجب بشيء لا على الذي غمزه ولا على الذي رد عنه . فبينما هو كذلك إذ رأى رجلاً مبيضاً بياضاً يزول به السراب من بعيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة الأنصاري فكان أبا خيثمة وهذا من فراسة النبي عليه الصلاة والسلام أو من قوة نظره ولا شك أنه أقوى الرجال نظراً وسمعاً ونطقا وفي كل شيء وأعطي قوة ثلاثين رجلاً بالنسبة للنساء . أبو خيثمة هذا هو الذي تصدق بصاع عندما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فتصدق الناس كل بحسب حاله فكان الرجل إذا جاء بالصدقة الكثيرة قال المنافقون هذا مزاء ما أكثر الصدقة ابتغاء وجه الله . وإذا جاء الرجل الفقير بالصدقة اليسيرة قالوا إن الله غني عن صاع هذا انظر - والعياذ بالله - يلمزون المؤمنين من هنا وهنا كما قال الله { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم } أي إذا تصدقوا بما يستطيعون قالوا إن الله غني عن صاعك { فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } وهكذا المنافق شر على المسلمين، فإن رأى أهل الخير لمزهم وإن رأى المقصرين لمزهم وهو أخبث عباد الله فهو في الدرك الأسفل من النار . المنافقون في زمننا هذا إذا رأوا أهل الخير وأهل الدعوة وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا هؤلاء متزمتون وهؤلاء متشددون وهؤلاء أصوليون هؤلاء رجعيون وما أشبه من الكلام . فكل هذا موروث عن المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، لا تقولوا ليس عندنا منافقون بل عندنا منافقون ولهم علامات كثيرة . وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين في الجزء الأول صفات كثيرة من صفات المنافقين كلها مبينة في كتاب الله عز وجل . فإذا رأيت رجلا يلمز المؤمنين من هنا ومن هنا فاعلم أنه منافق والعياذ بالله فاستفدنا فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: أن الإنسان لا ينبغي له أن يتأخر عن فعل الخير بل لابد أن يتقدم ولا يتهاون أو يتكاسل . وأذكر حديثاً قال النبي عليه الصلاة والسلام في الذين يتقدمون إلى المسجد ولكن لا يتقدمون إلى الصف الأول بل يكونون في مؤخره، قال لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله إذا عود الإنسان نفسه على التأخر أخره الله عز وجل فبادر بالأعمال الصالحة من حين أن يأتي طلبها من عند الله عز وجل . الفائدة الثانية أن المنافقين يلمزون المؤمنين كما سبق . وأبو خيثمة هو الذي تصدق بصاع فقال المنافقون إن الله غني عن صاع هذا الرجل ولكنهم منافقون لا يؤمنون . ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام إن الرجل يتصدق بعدل تمرة أي بما يعادل تمرة فيأخذها الله عز وجل فيربيها كما يربي أحدكم فلوه - أي مهمره الحصان الصغير حتى تكون مثل الجبل بل قال الرسول عليه الصلاة والسلام اتقوا النار ولو بشق تمرة أي نصف تمرة بل قال الله عز وجل { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } والله لا يضيع أجر المحسنين . يقول رضي الله عنه إنه لما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع قافلاً من الغزو بدأ يفكر ويشاور ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع يريد أن يتحدث بحديث وإن كان كذبا من أجل أن يعذره النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويجعل يشاور ذوي الرأي من أهله ماذا يقول ولكن يقول رضي الله عنه فلما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام المدينة، ذهب عنه كل ما جمعه من الباطل وعزم على أن يبين الحق فقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ودخل المسجد وكان من عادته وسنته أنه إذا قدم بلده فأول ما يفعل أن يصلي في المسجد عليه الصلاة والسلام . وهكذا أمر جابراً رضي الله عنه كما سأذكره إن شاء الله فدخل المسجد وصلى وجلس للناس فجاءه المخلفون الذين تخلفوا من غير عذر من المنافقين وجعلوا يحلفون له إنهم معذرون فيبايعهم ويستغفر لهم ولكن ذلك لا يفيدهم والعياذ بالله، لأن الله قال { استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فيقول أما أنا فعزمت أن أصدق النبي عليه الصلاة والسلام فدخلت المسجد فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب - أي الذي غير راض عني - ثم قال تعال فدنوت منه فلما دنوت منه قال لي ما خلفك فقال رضي الله عنه يا رسول الله لم أتخلف لعذر وما جمعت راحلتين قبل غزوتي هذه وإني لو جلست عند أحد من ملوك الدنيا لخرجت منه بعذر فلقد أوتيت جدلاً أي لو أني جلست عند شخص من الملوك لعرفت كيف أتخلص منه لأن الله قد أعطاني جدلاً . ولكني لا أحدثك اليوم حديثاً ترضى به عني فيوشك أن يسخط الله علي في ذلك انظر إلى الإيمان فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدق فأجله . وفي هذا فوائد أولا أن الله سبحانه وتعالى قد يمن على العبد فيعصمه من المعصية إذا علم من قلبه حسن النية . فإن كعباً لما هم أن يزور على الرسول عليه الصلاة والسلام جلى الله ذلك عن قلبه وأزاله عن قلبه، وعزم على أن يصدق النبي عليه الصلاة والسلام . ثانياً أن الإنسان إذا قدم بلده أن يعمد إلى المسجد قبل أن يدخل إلى بيته فيصلي فيه ركعتين لأن هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية . أما الفعلية فكما في حديث كعب بن مالك . وأما القولية فإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حين باع على النبي صلى الله عليه وسلم جمله في أثناء الطريق واستثنى أن يركبه إلى المدينة وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم شرطه فقدم جابر المدينة وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم قبله فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يدخل المسجد ويصلي ركعتين . وما أظن أحداً من الناس اليوم إلا قليلاً يستعمل هذه السنة، وهذا لجهل الناس بهذا وإلا فهذا سهل والحمد لله . وسواء صليت في مسجدك الذي كنت تصلي فيه القريب من بيتك أو صليت في أدنى مسجد من مساجد البلد الذي أنت فيه ثالثاُ أن كعب بن مالك رجل قوي الحجة فصيح ولكن لتقواه وخوفه من الله امتنع أن يكذب وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحق . رابعاً أن الإنسان المغضب قد يبتسم فإذا قال قائل كيف أعرف أن هذا تبسم رضى أو تبسم سخط ؟ قلنا إن هذا يعرف بالقرائن كتلون الوجه وتغيره . فالإنسان يعرف أن هذا الرجل تبسم رضا بما صنع أو سخطاً عليه خامسا أنه يجوز للإنسان أن يسلم قائماً على القاعد لأن كعباً سلم وهو قائم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام تعال سادسا أن الكلام عن قرب أبلغ من الكلام عن بعد فإنه كان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكلم كعب بن مالك ولو كان بعيداً عنه لكنه أمره أن يدنو منه لأن هذا أبلغ في الأخذ والرد والمعاتبة، فلهذا قال له الرسول عليه الصلاة والسلام ادن . سابعاً ومنها كمال يقين كعب بن مالك رضي الله عنه حيث أنه قال إنني أستطيع أن أخرج بعذر من الرسول ولكن لا يمكن أن أخرج منه بعذر يعذرني فيه اليوم ثم يغضب الله على فيه غداً . ثامناً إن الله يعلم السر وأخفى فإن كعباً خاف أن يسمع الله محاورته للرسول عليه الصلاة والسلام فينزل الله فيه قرآناً كما أنزل في قصة المرأة المجادلة التي جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشكو زوجها حين ظاهر منها فأنزل الله فيها آية من القرآن { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير } يقول كعب إنه أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه القول وأخبره أنه لا عذر له لا في بدنه ولا في ماله بل إنه لم يجمع راحلتين في غزوة قبل هذه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق ويكفي له فخراً أن وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدق فاذهب حتى يقضي الله فيك ما شاء فذهب الرجل مستسلماً لأمر الله عز وجل مؤمناً بالله وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . فلحقه قومه من بني سلمة وجعلوا يزينون له أن يرجع عن إقراره وقالوا له إنك لم تذنب ذنباً قبل هذا المعنى ما تخلفت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفيك أن يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا استغفر لك الرسول صلى الله عليه وسلم غفر الله لك . فارجع كذب نفسك قل إني معذور حتى يستغفر لك الرسول عليه الصلاة والسلام فيمن استغفر لهم ممن جاؤوا يعتذرون إليه فهم أن يفعل رضي الله عنه ولكن الله سبحانه أنقذه وكتب له هذه المنقبة العظيمة التي تتلى في كتاب الله إلى قيام الساعة . فسأل قومه هل أحد صنع مثلما صنعت قالوا نعم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع قالا مثلما قلت وقيل لهما مثلما قيل لك . يقول فذكروا لي رجلين صالحين شهدا بدراً لي فيهما أسوة أحياناً يقيض الله للإنسان ما يجعله يدع الشر اقتداء بغيره وتأسياً به فهو رضي الله عنه لما ذكر له هذان الرجلان وهما من خيار عباد الله من الذين شهدوا بدراً . فقال لي فيهما أسوة فمضيت أي لم يرجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام الناس أن يهجروهم فلا يكلموهم . فهجرهم المسلمون ولكنهم بعد ذلك صاروا يمشون وكأنهم بلا عقول قد ذهلوا، وتنكرت لهم الأرض فما هي بالأرض التي كانوا يعرفونها لأنهم يمشون إن سلموا لا يرد عليهم السلام وإن قابلهم أحد لم يبدأهم بالسلام، وحتى النبي عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً لا يسلم عليهم السلام العادي . يقول كعب كنت أحضر وأسلم على النبي فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا . هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام وما ظنك برجل يهجر في هذا المجتمع الإسلامي الذي هو خير القرون حتى تضيق عليه الأرض، وفعلاً ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وبقوا على هذه الحال مدة خمسين يوماً أي شهراً كاملاً وعشرين يوماً . والناس قد هجروهم فلا يسلمون عليهم ولا يردون السلام إذا سلموا وكأنهم في الناس إبل جرب لا يقربهم أحد . فضاقت عليهم الأمور وصعبت عليهم الأحوال وفروا إلى الله عز وجل ولكن مع ذلك لم يكن كعب بن مالك يدع الصلاة مع الجماعة . فكان يحضر ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام ولكن في آخر الأمور ربما يتخلف عن الصلوات لما يجد في نفسه من الضيق والحرج لأنه يخجل أن يأتي إلى قوم يصلي معهم وهم لا يكلمونه أبداً لا بكلمة طيبة ولا بكلمة تأنيب . فضاقت عليهم الأرض وبقوا على هذه الحالة خمسين ليلة تامة ولما تمت لهم أربعون ليلة أرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يعتزلوا نساءهم .. . إلى هذا الحد . وما ظنك بكعب بن مالك وهو شاب يعزل عن امرأته أمر عظيم ولكن مع ذلك لما جاءهم رسول رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك قال أطلقها أم لا لأنه لو قال له طلقها طلقها بكل سهولة طاعة لله ورسوله فقال له رسول الرسول إن الرسول عليه الصلاة والسلام يأمرك أن تعتزل أهلك وبقي على ظاهر اللفظ . حتى الصحابي الذي أرسل ما حرف النص لا معنى ولا لفظاً قال هكذا قال ولا أدري وهذا من أدب الصحابة رضي الله عنهم ما قال أظن أنه يريد أن تطلقها ولا أظن أنه يريد أن لا تطلقها ما قال شيئاً بل قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا فقال كعب لزوجته الحقى بأهلك فلحقت بأهلها وسيأتي . يقول رضي الله عنه فأما صاحباي فاستكانا في بيوتهما يبكيان لأنهما لا يستطيعان أن يمشيا في الأسواق والناس قد هجروهم لا يلتفت إليهم أحد فعجزوا عن تحمل هذه الحال فبقيا في بيوتهما يبكيان . يقول وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم أشبهم أقواهم وأجلدهم أصبرهم لأنه أصغر منهم سنا فكان يشهد الجماعة مع المسلمين ويطوف بأسواق المدينة لا يكلمه أحد . يقول وكنت آتي المسجد فأصلي وأسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس للناس بعد الصلاة فأقول هل حرك شفتيه برد السلام أم لا أي ما يرد عليه رداً يسمع هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ولكن امتثالاً لما أوحى الله إليه أن يهجر هؤلاء القوم هجرهم . ويقول كنت أصلي وأسارق النبي صلى الله عليه وسلم النظر أي أنظر إليه أحياناً وأنا أصلي فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت إليه أعرض عني . كل هذا من شدة الهجر . يقول فبينما أنا أمشي ذات يوم في أسواق المدينة وطال علي جفوة الناس تسورت حائطا لأبي قتادة رضي الله عنه أي دخله من فوق الجدار من دون الباب وكأن الباب مغلق والعلم عند الله . يقول فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام وهو ابن عمه وأحب الناس إليه ومع ذلك لم يرد عليه السلام . مع أن الرجل كان مجفيا من الناس منبوذاً لا يكلم ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام ومع ذلك لم يعطف عليه ابن عمه أبو قتادة كل هذا طاعة لله ورسوله لأن الصحابة رضي الله عنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يحابون أحداً في دين الله ولو كان من أحب الناس إليه فقلت له أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فلم يرد عليه . فقلت أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فلم يرد عليه . مرتين يناشده وأبو قتادة يدري أن كعب بن مالك يحب الله ورسوله، فلما رد عليه الثالثة وقال أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فقال الله ورسوله أعلم لم يكلمه فلم يقل نعم ولا قال لا قال كلمة لا تعد خطاباً يقول ففاضت عيناي - أي بكي - أن رجلاً ابن عمه أحب الناس إليه لا يكلمه مع هذه المناشدة العظيمة . مع أنها مسألة تعبدية لأن قوله أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله شهادة ومع ذلك لم يشهد له مع أنه يعلم أنه يحب الله ورسوله . وتسور البستان أي خرج إلى السوق فبينما هو يمشي إذا برجل نبطي من أنباط الشام والنبطي الذي ليس بعربي ولا بعجمي وسموا بذلك لأنهم كانوا يخرجون في البراري يستنبطون الماء يقول من يدلني على كعب بن مالك أهل الشر ينتهزون الفرص . فعندما قال من يدلني على كعب بن مالك قلت أنا هو فأعطاني الورقة وكنت كاتباً لأن الكتاب في ذلك العهد قليلون جداً . يقول فقرأت الكتاب فإذا فيه أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك جفاك أي الرسول عليه الصلاة والسلام وكان هذا الملك ملك غسان كافراً وإنك لست بدار هوان ولا مضيعة أي لا تبقى في الدار في ذل وضياع وهوان فتعال إلينا الحق بنا نواسك أي تعالى إلينا نواسك بأموالنا وربما نواسك بملكنا . ولكن الرجل رجل مؤمن بالله ورسوله ومحب لله ورسوله قال وهذه من البلاء أي الإمتحان وصدق رضي الله عنه . رجل مجفو لا يكلم مهجور منبوذ حتى من أقرب الناس إليه لو كان في قلبه ضعف إيمان لانتهز الفرصة بدعوة هذا الملك وذهب إليه . ثم ذهب إلى التنور فسجره فيه أي أوقدها . وإنما أوقدها في التنور ولم يجعلها معه لئلا توسوس له نفسه بعد ذلك أن يذهب إلى هذا الملك . فأتلفها لكي ييأس منها ولا يحاول أن يجعلها حجة يذهب بها إلى هذا الملك ثم بقى على ذلك مدة . ففي هذه القطعة من الحديث دليل على جواز التخلف عن الجماعة إذا كان الإنسان مهجوراً منبوذاً وعجزت نفسه أن تتحمل هذا كما فعل صاحبا كعب لأنه لا يشك أنه من الضيق والحرج أن يأتي الإنسان إلى المسجد مع الجماعة لا يسلم عليه ولا يرد سلامه ومهجور ومنبوذ هذا تضيق به نفسه ذرعاً، وهذا عذر كما قال العلماء . ومن فوائده شدة امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك ما جرى لأبي قتادة مع كعب . ومن فوائده أنه يجب التحرز من أصحاب الشر وأهل السوء الذين ينتهزون الضعف في الإنسان والفرص في إضاعته وهلاكه . فإن هذا الملك انتهز الفرصة في كعب يدعوه إلى الضلال لعله يرجع عن دينه إلى دين هذا الملك بسبب حال كعب . ومن فوائده قوة كعب بن مالك في دين الله وأنه من المؤمنين الخلص وليس ممن قال الله فيهم { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } من الناس من يقول آمنا بالله ولكن إيمانه ضعيف إذا أوذي في الله ارتد والعياذ بالله وفسق وترك الطاعة . كعب بن مالك أوذي في الله إيذاء أيما إيذاء لكنه صبر واحتسب وانتظر الفرج ففرج الله له تفريجا لم يكن لأحد غيره وصاحبيه أنزل الله فيهم ثناء عليهم آيات تتلى إلى يوم القيامة، نحن نقرأ قصتهم في القرآن في صلاتنا هذا فضل عظيم . ومن فوائد الحديث أنه ينبغي للإنسان إذا رأى فتنة أو خوف فتنة أن يتلف هذا الذي يكون سبباً لفتنته . فإن كعباً لما خاف على نفسه أن تميل فيما بعد إلى هذا الملك ويتخذ هذه الورقة وثيقة حرقها رضي الله عنه . ومنه أيضاً ما جرى لسليمان بن داود عليهما السلام حينما عرضت عليه الخيل الصافنات الجياد في وقت العصر فغفل فيما عرض عليه الصلاة حتى غابت الشمس فلما غابت الشمس وهو لم يصل العصر دعا بها فجعل يضرب أعناقها وسوقها انتقاماً من نفسه لنفسه لأنه انتقم من نفسه التي لهت بهذه الصافنات الجياد عن ذكر الله { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق } فالمهم أنك إذا رأيت شيئاً من مالك يصدك عن ذكر الله فأبعده عنك بأي وسيلة تكون حتى لا يكون سبباً لإلهائك عن ذكر الله . فإن الذي يلهى عن ذكر الله خسارة كما قال تعالى { يا أيها آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } يقول رضي الله عنه فلما تمت لنا أربعون ليلة أي شهر وعشرة أيام وكان الوحي قد استلبث أي لم ينزل كل هذه المدة وهذا من حكمة الله عز وجل في الأمور الكبيرة العظيمة يستلبث الوحي كما في هذه القصة وكما في قصة الإفك حين انقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لحكمة الله عز وجل حتى يتشوف الناس إلى الوحي ويتشرقوا إليه ماذا سينزل رب العالمين عز وجل . بقى الوحي أربعين ليلة ما نزل فلما تمت أربعون ليلة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كعب وصاحبيه أن يعتزلوا نساءهم وقد سبق . وجاءت زوجة هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنه في حاجة إليها لتخدمه لأنه ليس له خادم فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يقربها فقالت: إنه ليس له في هذا الأمر من شيء يعني أنه ليس له شهوة في النساء وإنه ما زال يبكي رضي الله عنه منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم إلى يومه هذا لأنه ما يدري ماذا تكون النهاية . يقول رضي الله عنه فلما مضى عشر ليال بعد هذا وكنت ذات يوم أصلي الصبح على سطح بيت من بيوتنا لأنه كما مر كانوا رضي الله عنهم قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم . يقول فسمعت صارخاً يقول وهو على سلع - وهو جبل معروف في المدينة وصاح بأعلى صوته يقول يا كعب بن مالك أبشر يقول فعلمت أن الله قد أنزل في فرجي وركب فارس من المسجد يؤم بيت كعب بن مالك يبشره . وذهب مبشرون إلى هلال بن أمية ومرارة بن الربيع يبشرونهما بتوبة الله عليهما . انظر إلى فرح المسلمين بعضهم مع بعض كل يسعى ويركض من جهة . يقول فجاء الصارخ وجاء صاحب الفرس فكانت البشرى للصارخ لأن الصوت أسرع من الفرس يقول فأعطيته ثوبي الإزار والرداء وليس يملك غيرهما لكن استعار من أهله أو جيرانه ثوبين فلبسهما وأعطى ثوبيه هذا الذي بشره . أعطاه كل ما يملك، لكنها والله بشرى عظيمة أن ينزل الله توبتهم ويمن عليهم بالتوبة . ثم نزل متوجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاه الله عن أمته خيراً قد بشر الناس بعد صلاة الصبح بأن الله أنزل توبته على هؤلاء الثلاثة، لأنه يحب من أصحابه وأمته إلى أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله . يقول فذهبت أتأمم الرسول فجعل الناس يلاقونني أفواجاً أي جماعات يهنئونه بتوبة الله عليه . هؤلاء القوم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم فلم يحسدوهم على ما أنعم الله به عليهم من إنزال القرآن العظيم بتوبتهم بل جعلوا يهنئونهم حتى دخل المسجد . وفي هذا فوائد: أولاً شدة هجر النبي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الثلاثة حتى إنه أمرهم أن يعتزلوا نساءهم والتفريق بين الرجل وامرأته أمر عظيم . ثانياً وفيه قول الرجل لامرأته الحقي بأهلك ليس بطلاق لأن كعباً فرق بين قوله الحقي بأهلك وبين الطلاق، فإذا قال الرجل لامرأته الحقي بأهلك ولم ينو الطلاق فليس بطلاق . أما إذا نوى الطلاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى الحديث فإذا ما نوى بهذه الكلمة وأمثالها الطلاق فله ما نوى . ثالثاً: شدة امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رضي الله عنه ما تردد ولا قال لعلي أراجع الرسول عليه الصلاة والسلام . أو قال للرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إليه لعله يسمح بل وافق بكل شيء . رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته فإنه بعد أن أمره باعتزال النساء لهن رخص لهلال بن أمية لأنه يحتاج لخدمة امرأته . خامساً جواز حكاية الحال عند الاستفتاء أو الشهادة أو ما أشبه ذلك، وإن كان المحكي عنه قد لا يحب أن يطلع عليه الناس لأن امرأة هلال بن أمية ذكرت من حاله أنه ليس له حاجة إلى شيء من النساء . سادساً أن الإنسان إذا حصل له مثل هذه الحال وهجره الناس وصار يتأذى من مشاهدتهم ولا يتحمل فإنه له أن يتخلف عن صلاة الجماعة وإن هذا عذر لأنه لو جاء إلى المسجد في هذه الحال سوف يكون متشوشاً غير مطمئن في صلاته ولهذا صلى كعب بن مالك صلاة الفجر على ظهر بيت من بيوته وسبق لنا ذكر هذه الفائدة سابعاً حرص الصحابة على التسابق إلى البشرى لأن البشرى فيها إدخال السرور على المسلم وإدخال السرور على المسلم مما يقرب إلى الله عز وجل لأنه إحسان والله سبحانه يحب المحسنين ولا يضيع أجرهم . فلذلك ينبغي لك إذا رأيت من أخيك شيئاً يسره كأن يكون خبراً ساراً أو رؤيا سارة ؟ أو ما أشبه ذلك أن تبشره بذلك لأنك تدخل السرور عليه . ثامناً أنه ينبغي مكافأة من بشرك بهدية تكون مناسبة للحال لأن كعب بن مالك أعطى الذي بشره ثوبيه وهذا نظير ما صح به الخبر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكان يأمر الناس إذا حجوا أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن المتعة لأنه يحب أن يعتمر الناس في وقت حتى يكون البيت دائماً معموراً بالزوار، فعل هذا اجتهاداً منه رضي الله عنه وهو من الاجتهاد المغفور وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام أولى . المهم أن رجلاً استفتى عبد الله بن عباس في هذه المسألة فأمره أن يتمتع وأن يحرم بالعمرة ويحل منها . فرأى هذا الرجل في المنام شخصاً يقول له حج مبرور وعمرة متقبلة فأخبر بذلك عبد الله بن عباس الذي أفتاه، ففرح بذلك ابن عباس وأمره أن يبقى حتى يعطيه من عطائه أي يعطيه هدية على ما بشره به من هذه الرؤيا التي تدل على صواب ما أفتاه به ابن عباس . والمهم أن من بشرك بشيء فأقل الأحوال أن تدعو له بالبشارة أو تهدي له ما تيسر وكل إنسان بقدر حاله . يقول رضي الله عنه حتى دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه فقام إلى كعب طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه فصافحه وهنأه بتوبة الله عليه . يقول والله ما قام إلي أحد من المهاجرين رجل غير طلحة فكان لا ينساها له حيث قام ولاقاه وصافحه وهنأه حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا وجهه تبرق أساريره لأنه عليه الصلاة والسلام سره أن يتوب الله على هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا الله ورسوله وأخبروا بالصدق عن إيمان وحصل عليهم ما جرى من الأمر العظيم من هجر الناس لهم خمسين يوماً حتى نسائهم بعد الأربعين أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعتزلوهن . ######################### (تابع)
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك وصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الله أنزل توبته وتوبة صاحبيه في قرآن يتلى تكلم به رب العالمين عز وجل وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم محفوظاً بواسطة جبريل ومحفوظاً إلى يوم القيامة . ولا يوجد أحد سوى الأنبياء أو من ذكرهم الله في القرآن حفظت قصته كما حفظت قصة كعب بن مالك وصاحبيه . بقيت هذه القصة تتلى في كتاب الله في المحاريب وعلى المنابر وفي كل مكان ومن قرأ هذه القصة فله بكل حرف عشر حسنات . فقلت له أمن عندك يا رسول الله أو من عند الله ؟ قال لا بل من عند الله عز وجل لأنه إذا كان من عند الله كان أشرف وأفضل وأعظم . فقال كعب إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله أي يتخلى عنه ويجعله صدقة إلى الله ورسوله شأنه وتدبيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك فأمسكه رضي الله عنه . ففي هذه القطعة من الحديث فوائد: أولاً فيها دليل على أن من السنة إذا أتى الإنسان ما يسره أن يهنأ به ويبشر به سواء كان خير دين أو خير دنيا . ولهذا بشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وبغلام عليم . الغلام الحليم إسماعيل والغلام العليم إسحاق ثانياً إنه لا بأس بالقيام إلى الرجل لمصافحته وتهنئته بما يسره والقيام إلى الرجل لا بأس به قد جاءت به السنة وكذلك القيام للرجل وأنت باق في مكانك لا تتحرك إليه فهذا أيضاً لا بأس به إذا اعتاد الناس لأنه لم يرد النهي عنه وإنما النهي والتحذير من الذي يقام له لا من القائم فإن من يقام له قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار قال أهل العلم والقيام ثلاثة أقسام . الأول قيام إلى الرجل الثاني قيام للرجل . والثالث: قيام على الرجل فالقيام إلى الرجل لا بأس به وقد جاءت به السنة أمراً وإقرارً وفعلاً أما الأمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه عند تحكيمه في بني قريظة قال الرسول عليه الصلاة والسلام قوموا إلى سيدكم وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه قد أصيب في غزوة الأحزاب في أكحله - وهو عرق في اليد إذا انفجر مات الإنسان - فدعا الله أن لا يميته حتى يقر عينه في بني قريظة وكانوا حلفاء للأوس وخانوا عهد النبي عليه الصلاة والسلام وصاروا مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما طعن سعد قال اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة وكان من علو منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب له خباء في المسجد - أي خيمة صغيرة - لأجل أن يعوده من قريب فكان يعوده من قريب . ولما حصلت غزوة قريظة ورضوا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر سعد إلى بني قريظة فجاء راكباً على حمار لأنه قد أنهكه الجرح فلما أقبل قال الرسول عليه الصلاة والسلام قوموا إلى سيدكم فقاموا فأنزلوه فقال الرسول عليه الصلاة والسلام له إن اليهود من بني قريظة حكموك فقال رضي الله عنه حكمي نافذ فيهم قال نعم وأقروا به وقالوا نعم حكمك نافذ . قال وفيمن هاهنا - يشير إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة قالوا نعم فقال أحكم فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذريتهم ونساؤهم وتغنم أموالهم حكم صارم . قال الرسول عليه الصلاة والسلام حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماواته فنفذ النبي صلى الله عليه وسلم حكمه وقتل منهم سبعمائة رجل وسبي نساءهم وذرياتهم وغنم أموالهم . الشاهد قوله قوموا إلى سيدكم هذا فعل أمر ولما دخل كعب إلى المسجد قام إليه طلحة بن عبيد الله والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهد ولم ينكر عليه . ولما قدم وفد ثقيف إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالجعرانة قبل الغزوة قام لهم أو قام إليهم عليه الصلاة والسلام . الثاني القيام للرجل هذا لا بأس به لاسيما إذا اعتاد الناس ذلك وصار الداخل إذا لم تقم له يعد ذلك امتهاناً له فإن ذلك لا بأس به وإن كان الأولى تركه كما في السنة لكن إذا اعتاده فلا حرج فيه . الثالث القيام عليه كأن يكون جالساً ويقوم واحد على رأسه تعظيماً له فهذا منهي عنه قال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا حتى إنه في الصلاة إذا صار الإمام لا يستطيع القيام وصلى جالسا فإن المأمومين يصلون جلوسا ولو كانوا يقدرون على القيام لئلا يشبهوا الأعاجم الذين يقومون على ملوكهم . فالقيام على الرجل منهي عنه اللهم إلا إذا دعت الحاجة لذلك كأن خاف على الرجل أن يعتدي عليه أحد فلا بأس أن يقوم عليه القائم وكذلك إذا قام الرجل إكراما له في حال بقصد فيه إكرامه وإهانة العدو مثل ما حصل من المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في صلح الحديبية حينما كانت قريش تراسل النبي صلى الله عليه وسلم للمفاوضة فيما بينهم . كان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه واقفا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده السيف تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإهانة لرسل الكفار الذين يأتون للمفاوضة . وفي هذا دليل على أنه ينبغي لنا نحن المسلمين أن نغيظ الكفار بالقول وبالفعل لأنا هكذا أمرنا قال الله سبحانه { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وقال تعالى { ليغيظ بهم الكفار } وقال الله تعالى { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } ومن المؤسف أن منا من يدخل عليهم السرور والفرح وربما يشاركهم في أعيادهم والعياذ بالله الكفرية التي لا يرضاها الله بل يسخط عليها والتي يخشى أن ينزل العذاب عليهم وهم يلعبون بهذه الأعياد يوجد من الناس من لا قدر للدين عنده كما قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة . أدخل عليهم ما يحزنهم ويغطيهم ويدخل عليهم أشد ما يكون من الضيق هكذا أمرنا لأنهم أعداء لله ولدينه وللملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين . المهم أن المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده السيف تعظيماً له حتى أنه في أثناء المراسلة فعل الصحابة شيئاً لا يفعلونه في العادة . كان عليه الصلاة والسلام إذا تنخع تلقوا نخامته بأيدهم ثم يمسحون بها وجوههم وصدورهم مع أنهم ما كانوا يفعلون هذا لكن لأجل إذا ذهب رسول الكفار إلى الكفار بين لهم حال الصحابة مع نبيهم عليه الصلاة والسلام . ولذلك لما رجع الرسول إلى قريش قال والله لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمداً رضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم الله عنا خيراً . المهم أن القيام على الرجل إن كان المقصود به حفظ الرجل أو كان المقصود به إغاظة العدو فإن هذا لا بأس به . ثالثاً أن من أنعم الله عليه بنعمة فإن من السنة أن يتصدق بشيء من ماله فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر كعب بن مالك على أن يتصدق بشيء من ماله توبة إلى الله عز وجل لما حصل له من هذا الأمر العظيم الذي كان فخراً له يوم القيامة . ذكر كعب بن مالك أن من توبته أن لا يحدث بحديث كذب بعد إذ نجاه الله تعالى بالصدق، ومازال كذلك ما حدث بحديث كذب أبداً بعد أن تاب الله عليه فكان رضي الله عنه مضرب المثل في الصدق حتى إن الله أنزل فيه وفي صاحبيه { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } أنزل الله تعالى الآيات في بيان منته عليهم بالتوبة من قوله تعالى { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم } ففي هذه الآية أكد الله توبته على النبي والمهاجرين والأنصار أكدها بقوله { لقد تاب الله } . فأما النبي فهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وأما المهاجرون فهم الذين هاجروا من بلادهم من مكة إلى المدينة هاجروا إلى الله ورسوله فجمعوا في ذلك بين الهجرة ومفارقة الوطن ومفارقة الديار وبين نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم إنما هاجروا إلى الله ورسوله . أما الأنصار فهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أهل المدينة رضي الله عنهم الذين آووا النبي ونصروه ومنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وقدم الله المهاجرين لأنهم أفضل من الأنصار لجمعهم بين الهجرة والنصرة . وقوله { الذين اتبعوه في ساعة العسرة } وذلك في الخروج معه إلى غزوة تبوك إلى بلاد بعيدة والناس في أشد ما يكونون في الحر والناس في أطيب ما يكونون لو بقوا في ديارهم لأن الوقت وقت قيظ والوقت وقت طيب الثمار وحسن الظلال ولكنهم رضي الله عنهم خرجوا في هذه الساعة الحر | |
|