موضوع: صور من حياة الفاروق عــمـــر الجمعة يونيو 04, 2010 8:43 pm
عـدل عــمـــرأتى شابّان إلى عمر وكان في المجلسوهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمام عمر بن الخطابقال عمر: ما هذاقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا،قال: أقتلت أباهم؟قال: نعم قتلته،قال كيف قتلتَه؟قال دخل بجمله في أرضي، فزجرته، فلم يزدجر، فأرسلتعليه حجراً، وقع على رأسه فمات.
قال عمر: القصاص.. الإعدام.. قرار لم يكتب. وحكم سديد لا يحتاج مناقشةولو كان ابنه القاتللاقتص منهوقد جلد ابناً له في بعض الأمور. قال الرجل: ياأمير المؤمنين: أسألك بالذي قامت به السماوات والأرضأن تتركنيليلةلأذهب إلى زوجتي وأطفالي في الباديةفأُخبِرُهم بأنك سوفتقتلنيثم أعود إليكوالله ليس لهم عائل إلا الله ثم أناقال عمر: من يكفلك أن تذهب إلى البادية، ثم تعود إليَّفسكتالناس جميعاًإنهم لا يعرفون اسمه، ولا خيمته، ولا داره، ولا قبيلته، ولامنزلهفكيف يكفلونهوهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض،ولا على ناقةإنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف. ومن يعترض علىعمر في تطبيق شرع الله؟ومن يشفع عنده؟ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه؟فسكت الصحابةوعمر مُتأثر، لأنه وقع في حيرةهل يُقدم فيقتلهذا الرجل، وأطفاله يموتون جوعاً هناكأو يتركه فيذهب بلا كفالة، فيضيع دمالمقتولوسكت الناسونكّس عمر رأسه، والتفت إلى الشابينأتعفوان عنه؟قالا:
لامن قتل أبانا لا بد أن يُقتل ياأمير المؤمنينقال عمر: من يكفل هذا أيها الناسفقام أبو ذرالغفاريّ بشيبته وزهده، وصدقهقال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفلهقال عمر: هو قَتْلقال: ولو كان قتلاًقال: أتعرفه؟قال: ما أعرفهقال: كيف تكفله؟قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين، فعلمت أنه لم يكذب، وسيأتي إن شاء اللهقال عمر: يا أبا ذرّ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك ! قال: الله المستعان يا أمير المؤمنينفذهب الرجلوأعطاهعمر ثلاث ليالٍ؛ يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعدهثم يأتي، ليقتص منه لأنه قتل.
وبعد ثلاث ليالٍلم ينس عمرالموعد، يَعُدّ الأيام عداًوفي العصر نادى في المدينة: الصلاةجامعةفجاء الشابان، واجتمع الناس، وأتى أبو ذر، وجلس أمام عمرقالعمر: أين الرجل؟قال: ما أدري يا أمير المؤمنين، وتلفَّت أبوذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتهاوسكت الصحابة واجمين، عليهم منالتأثر مالا يعلمه إلا الله.
صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطعله من جسمه إذا أرادلكن هذه شريعةلكن هذا منهجلكن هذه أحكام ربانيةلا يلعب بها اللاعبونولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتهاولا تنفذفي ظروف دون ظروفوعلى أناس دون أناسوفي مكان دون مكان.
وقبلالغروب بلحظاتوإذا بالرجل يأتيفكبّر عمروكبّر المسلمون معهفقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك، ما شعرنا بك، وماعرفنا مكانكقال يا أمير المؤمنينوالله ما عليَّ منك ولكن عليَّمن الذي يعلم السرَّ وأخفى!! ها أنا يا أمير المؤمنينتركت أطفاليكفراخ الطير، لا ماء ولا شجر في الباديةوجئتُ لأُقتلفوقف عمر وقالللشابين: ماذا تريان؟قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أميرالمؤمنين لصدقهقال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته. جزاكماالله خيراً أيها الشابان على عفوكماوجزاك الله خيراً يا أبا ذرّيوم فرّجتعن هذا الرجل كربتهوجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائكوجزاك اللهخيراً يا أمير المؤمنين لعدلك ورحمتك