sokaty Admin
عدد الرسائل : 5121 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: شبهات الغلاة في التكفير (الحلقة الرابعة) السبت يونيو 12, 2010 3:57 pm | |
| الشبهة العاشرة : دعوى الإجماع ومن شبهات الغلاة دعوى إجماع السلف على عدم العذر بالجهل، على اختلاف مذاهبهم -إلا من قال منهم بكفر من يُحَكِّم الإجماع في دين الله تعالى ، لأنه من تحكيم الرجال -، فالذين يقولون : بكفر من وقع في الكفر جهلا ويستبيحون قتله ويشهدون له بالنار يدعون الإجماع على قولهم ، والذين يكفرونه ويستبيحون قتله ولا يشهدون له بالنار يحتجون بالإجماع وكذلك الذين يكفرونه ويقولون لا قتال ولا عذاب في الآخرة حتى تقام عليه الحجة، وعمدتهم جميعا في نقل الإجماع قول ابن القيم في طريق الهجرتين (607-608):" اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم ، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام"، ثم قال :" والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل ". الجواب: أولا : أن كلام ابن القيم وارد في المشركين لا في من وقع في الشرك وأسباب الردة من المسلمين ، وهو أيضا في من بلغته دعوة الإسلام منهم، بدليل قوله :" إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة"، وكلامنا هو في من لم تبلغه حقيقة الدعوة من المسلمين، إذن هذا الاتفاق خارج عن محل النزاع من وجهين: أنه في الكفار الذين بلغتهم الحجة ، وكلامنا في المسلم الذي لم تبلغه الحجة . وحكم من لم تبلغه الدعوة من الكفار عند ابن القيم أنه لا يعذب، قال ابن القيم في طريق الهجرتين (ص 611): "وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل". ثانيا : أكثر المستندين إلى هذا الإجماع واقعون في التناقض لأنهم ينقلون عن بعض المتأخرين إجماعين أحدهما على التكفير والآخر على حمل العذر على عذاب الآخرة، مع إثبات الامتحان، وكلام ابن القيم المنقول صريح بأنهم كفار وفي النار، وهذا لا يقول به إلا الصنف الأكثر غلوا وإن مذهبهم أقيس من غيره كما ذكرنا قبل . ثالثا : مما يؤكد لنا أن كلام ابن القيم السابق في الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام أصلا ، هذا الكلام الذي يفرق فيه بين أحوال أهل البدع ، وينص فيه على عدم تكفير الجاهل المقلد الذي عجز عن العلم، قال ابن القيم في الطرق الحكمية (255):" فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدها : الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم "المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ". القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته. القسم الثالث : أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل ". رابعا : أن هذا الإجماع المتوهم معارض بإجماع قديم منقول على عذر المسلمين الواقعين في الشرك جهلا نقله ابن حزم رحمه الله ، حيث قال في الفصل (3/253):" وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو أن الأمة مجمعة كلها ، بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك ، أو أسقط كلمة عمدا كذلك أو زاد فيها كلمة عمدا ، فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة فيزيد كلمة وينقص أخرى ، ويبدل كلامه جاهلا مقدرا أنه مصيب ، ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ، ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما ، فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من تقوم الحجة بخبره ، فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كافر بذلك لا محالة ، وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة". خامسا : ومن أغرب ما قرأته لبعض الغلاة في تقرير هذا الإجماع أن الخلاف إنما أحدثه بعض المعاصرين من خريجي الكليات الشرعية وأصحاب الرسائل الجامعية وأنهم لبسوا على الناس هذا الأمر بكلام ابن تيمية وزعم صاحب "المجهر" (ص11) أن أصحاب هذه الرسائل انحرفوا عن المنهج العلمي وجعلوا النصوص محكومة بآراء العلماء . والحقيقة أن من أهم الفروق بين أصحاب الدراسات الجامعية وأصحاب الكتابات الأخرى، أن أصحاب الدراسات الجامعية معروفة أعيانهم ويتمتعون باستقلالية في الفكر ويكتبون بطريقة منهجية تعصمهم من التناقض ، وأصحاب الكتابات الأخرى مجهولون (أو يكتبون بأسماء مستعارة ) وكتاباتهم متسمة بالتقليد وتسير على منهج "اعتقد ثم استدل" ولذلك يظهر الانحراف والتناقض فيها جليا، وربما التزم أصحابها لوازم شنيعة تبرأ منها الشريعة ومنها ما سبق بيانه في الشبهات السابقة. ولو كنت بصدد نقد كتاب معين لبينت من تلك التناقضات والانحرافات المنهجية الشيء الكثير ، وقد سبق بيان تحريفات صاحب الجواب المفيد وأبين في هذا المقام بعضا منها ، وزعم صاحب المجهر في مقدمته (ص11) أنه لا ينقل إلا عن أهل السنة، ثم نقل في باب "الردة من كتب السلف" (205) عن أبي بكر الحصني الشافعي صاحب غاية الاختصار المشهور بعدائه للسنة وأهلها ، ولا أدري لو اطلع على كتاباته في العقيدة هل كان يعذره أم لا؟ وفي الباب الرابع : قسم الفصل الأول : الذي خصصه لرد الشبه المستدل بها خطأ من القرآن إلى ثلاث شبهات وإلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي : الشبهة الأولى ، المبحث الأول ، المبحث الثاني ، الشبهة الثانية ، الشبهة الثالثة ، المبحث الثالث!! فلا الشبهات اندرجت تحت المباحث والمباحث اندرجت تحت الشبهات . والأمر نفسه كرره في الفصل الثاني . وجعل فصلا لتحقيق مذهب ابن تيمية وابن عبد الوهاب في العذر بالجهل ، ولم يذكر من كلام ابن عبد الوهاب شيئا من نصوصه الآتي ذكرها إلا نصا واحدا هو حجة عليه (286) ومهمة من يقول الدراسة المجهرية وأنه يحقق كلام عالم من العلماء في المسألة أن يستوعب نصوصه أو على الأقل تلك التي يمسك بها من ينفي العذر بالجهل. وذكر صاحب "عارض الجهل" فصلا عنوانه:" أدلة القرآن الكريم على عدم اعتبار الجهل والتقليد عذرا في مسائل التوحيد لمن بلغه القرآن "، وذكر أدلة كلها فيها نظر وجلها لا تنطبق على عنوان الفصل لأنه خص عدم العذر في العنوان لمن بلغه القرآن ثم أورد الأدلة التي يوردها غيره لإثبات كفر المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه ولم ! وأن ثبوت وصف الكفر لا يحتاج إلى إقامة حجة(أي بلوغ القرآن)، ومن تلك الأدلة قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:137) وبعضها يستدل به على كفر من تولى وأعرض كقوله : ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ)(الأنبياء:24). وعندما أراد أن ينقل كلام محمد بن عبد الوهاب (ص233) نقل كلاما من الدرر السنية (1/142) وهو كلام حسين وعبد الله ابنا الشيخ محمد كما في (10/142) فأخطأ في العزو وفي المعزو إليه. ونقل كلاما آخر من الدرر (10/333) وهو كلام حمد بن ناصر بن معمر كما في (10/336). ومما يشيعه بعض الناس في بعض البلاد أن العقيدة لابد أن تتلقى بالإسناد في إشارة منهم إلى إسناد معين في منطقة محددة ليست أرض الحجاز منها ولا الشام ولا مصر ولا العراق، وجواب هذا: إذا كان الإسناد المطلوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنعم المطلوب، وأما إذا كان إلى غيره فإنا نقول إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وإن الله تعالى لم يبعث أحدا بعده والعلماء المجددون لا يختصون بعصر من العصور أو بلد من البلدان، وإن من أعظم الجهالة أن يفرض على أهل الدنيا أن يأخذوا العقيدة من أهل قرية واحدة سندهم لا يتصل وأهلها مختلفون. الشبهة الحادية عشر : نسبة التكفير إلى ابن تيمية من الشبهات التي يلبَّس بها على كثير من الناس نسبة القول بالتكفير إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، الإمام الثقة المحقق الذي كتب الله تعالى لكلامه القبول عبر العصور ، وذكرنا من قبل أن بعض الغلاة اضطربوا لظهور الرسائل الجامعية التي جمعت شتات كلام ابن تيمية ووضحت منهجه بجلاء ، وقد اضطربوا أيضا في تأويل كلامه وصرفه عن ظاهره ، وقبل بيان فساد تلك التأويلات ننقل شيئا من كلامه في إثبات العذر بالجهل . من نصوص ابن تيمية في العذر بالجهل ينبغي أن يعلم أن كلام ابن تيمية في بيان العذر بالجهل ودلائله وأحواله كثير جدا لا يسعه مقال مختصر لكن نذكر ما يفهم به موقفه ويحصل به اليقين بإذن الله تعالى . 1-قال ابن تيمية في الرد على البكري (2 /494):"ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر و أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم و أصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح و المعقول الصريح الموافق له وكان هذا خطابنا، فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله". 2-قال ابن تيمية في بغية المرتاد (311):" وبينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية فيغفر له كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية، وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله، كما قال تعالى:} وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا{ وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ، كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة". 3-قال بعد أن ذكر مقالات الباطنية في بغية المرتاد (1/353-354):" فهذه المقالات هي كفر لكن ثبوت التكفير في حق الشخص المعين موقوف على قيام الحجة التي يكفر تاركها وإن أطلق القول بتكفير من يقول ذلك فهو مثل إطلاق القول بنصوص الوعيد مع أن ثبوت حكم الوعيد في حق الشخص المعين موقوف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا أطلق الأئمة القول بالتكفير مع أنهم لم يحكموا في عين كل قائل بحكم الكفار بل الذين استمحنوهم وأمروهم بالقول بخلق القرآن وعاقبوا من لم يقل بذلك إما بالحبس والضرب والإخافة وقطع الرزق بل بالتكفير أيضا، لم يكفروا كل واحد منهم وأشهر الأئمة بذلك الإمام أحمد وكلامه في تكفير الجهمية مع معامتله مع الذين امتحنوه وحبسوه وضربوه مشهور معروف". 4-قال في مجموع الفتاوى (11/401) وقد سئل عمن يزعم سقوط التكاليف الشرعية عنه :" لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه . وهو شر من قول اليهود والنصارى " وذكر رحمه الله تعالى ألوانا من الموبقات التي يستبيحها هؤلاء الناس ثم قال (11/406):"لكن من الناس من يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة كما قال تعالى : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ؛ أو لم يعلم أن الخمر يحرم لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا ؛ بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية" 5-قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6 /60-61):" أما كونه عند المستمع معلوما أو مظنونا أو مجهولا أو قطعيا أو ظنيا أو يجب قبوله أو يحرم أو يكفر جاحده أو لا يكفر ؛ فهذه أحكام عملية تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. فإذا رأيت إماما قد غلظ على قائل مقالته أو كفره فيها فلا يعتبر هذا حكما عاما في كل من قالها إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه والتكفير له ؛ فإن من جحد شيئا من الشرائع الظاهرة وكان حديث العهد بالإسلام أو ناشئا ببلد جهل لا يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية. وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت ؛ لعدم بلوغ الحجة له ؛ فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ؛ فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع ". 6-قال في مجموع الفتاوى (12/466):" وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة" وكرر هذا المعنى (12/501). 7-قال ابن تيمية مجموع الفتاوى (12/497):« فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين : " أحدهما " أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق فنفي الصفات كفر والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة أو أنه على العرش أو أن القرآن كلامه أو أنه كلم موسى أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر وكذلك ما كان في معنى ذلك وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث. و" الأصل الثاني " أن التكفير العام - كالوعيد العام - يجب القول بإطلاقه وعمومه . وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ». 8-وقال في الرد على البكري (1/413):" ومن أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة عليه". تأويلات المخالفين لكلام ابن تيمية أولا : ومن أشهر التأويلات حمل مذهبه على العذر بالجهل في مسائل الصفات دون مسائل الشرك في العبادة، أو حمله على مسائل المسائل الخفية دون المسائل الظاهرة ، وقد بينا في رد الشبهة التاسعة بطلان هذا التأويل ، وأن هؤلاء المخالفين قد غفلوا عن أن الخفاء والظهور أمران نسبيان يختلفان باختلاف الزمان والمكان ، وأوردنا هناك من نصوص ابن تيمية كلامه في الرد على البكري الذي يقضي على هذين الاحتمالين لأنه في الشرك الأكبر لا في الصفات ولا أظهر من مسائل التوحيد والشرك. ومما يردها أيضا من النصوص المذكورة سابقا النص الثالث الذي ورد في معرض ذكر مقالات الباطنية التي هي كفر ظاهر بلا شك ، والنص الرابع أيضا الوارد في الجواب عمن يعتقد سقوط الواجبات وعدم تحريم المحرمات البينة ، والنص الثامن أيضا فيه إشارة إلى ذلك لأن القطع إنما يستفاد من الإجماع والتواتر . ثانيا : من التأويلات الباردة التي أشهرت في وجه هذه النصوص المستشهد بها من كلام ابن تيمية الزعم أن ابن تيمية قال هذا:"سياسة" لا اعتقادا، لأنه كان مستضعفا وكان لابد له من مداراة حتى يزول الاستضعاف، ويكفي لرد هذا الزعم أنه تخرص لا دليل عليه ولا موجب له، بل هو افتراء على ابن تيمية رحمه الله ، ومع ذلك نقول : لا ندري أكان من طريقة ابن تيمية المداهنة في أصل الدين؟ وما الذي يدفعه إلى مثل هذا هو الذي لم يداهن في قضايا أسهل من هذه دخل بسببها إلى السجن كمسألة الطلاق الثلاث ومسألة شد الرحال. وهو الذي يقول (14/476):" فإن الشرك والقول على الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم : لا يكون فيها شيء من المصلحة"، ويقول (35/372-374):" ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، ... ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره، كان مستحقا لعذاب الله...". ولو فرضنا أنه كان مكرها في حال لبين الحق في حال أخرى وصرح بأنه يحكم بالكفر على من لم تقم عليه الحجة ولو مرة في حياته ، ولا حجة لمن تمسك بقوله في الرد على البكري :" لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله " للتدليل على هذا التأويل لأن معنى كلامه أني لم أقابل الجهل بالجهل والافتراء بالافتراء ، ثم إن المكره والمداري لا يستدل ويطنب في الاستدلال لمسألة لا يعتقدها . ثالثا : ومن التأويلات أن الكفر الذي ينفيه هو الكفر الذي يستحق صاحبه العقوبة في الدارين القتل في الدنيا والخلود في النيران في الآخرة دون اسم الكفر الذي تجري عليه بقية أحكام الدنيا كما في المجهر (278) وهذا لا مسنتد له في كلام ابن تيمية بل فيه ما يدل على ضده كقوله (11/406) :" ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ؛ أو لم يعلم أن الخمر يحرم لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا ؛ بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية"، وقوله(11/409):" وأدنى هذا أن يكون شاكا في المعاد وذلك كفر - إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره - هو بين في عدم إيمانه بالله تعالى". وقوله في (12/497):"وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ». وأصحاب هذا التأويل دائما يرجعون إلى كلام ابن تيمية في الكفار الذين لم تبلغهم الحجة ، ويتركون كلامه في أهل الإسلام الذين وقعوا في الكفر، وهذا تضليل وتحريف لا يجوز كقوله (20/38) وهو يتحدث عن عدم توقف قبح الأفعال على الشريعة –كما يقوله الأشاعرة-:« واسم المشرك ثبت قبل الرسالة» فلا يرى من تمسك بهذه الجملة وترك عشرات النصوص التي ربما استغرق بعضها الصفحات تفصيلا واستدلالا إلا متبعا لهواه . رابعا : ومن التأويلات تخصيص كلامه بمن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة . والجواب أن ذلك يذكر على سبيل المثال لا التقييد، والمقصود هو بيان أحوال مظنة الجهل هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تمثيله بالبادية البعيدة ليس المقصود به البعيدة المكان حصرا، بل البعيدة عن العلم ، قال رحمه الله (11/407) :" ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول ". وقال رحمه الله (13/118):"وأيضا فكون الشيء معلوما من الدين ضرورة أمر إضافي فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلا عن كونه يعلمه بالضرورة"، وقال (3/240):"ومع هذا فقد يكثر أهل هذه الأهواء في بعض الأمكنة والأزمنة حتى يصير بسبب كثرة كلامهم مكافئا عند الجهال لكلام أهل العلم والسنة حتى يشتبه الأمر على من يتولى أمر هؤلاء فيحتاج حينئذ إلى من يقوم بإظهار حجة الله وتبيينها حتى تكون العقوبة بعد الحجة" قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في مصباح الظلام (498):"وقد مثل العلماء هذا الصنف بمن نشأ ببادية أو ولد في بلاد الكفار ولم تبلغه الحجة الرسالية ، ولذلك قال الشيخ : لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ، وقد صنف رسالة مستقلة في أن الشرائع لا تلزم قبل بلوغها ". الشبهة الثانية عشر : نسبة التكفير إلى ابن عبد الوهاب ومن الشبهات أيضا الاستدلال بعبارات لابن عبد الوهاب ظاهرها عدم العذر بالجهل، وقبل التعرض لهذه العبارات وتوجيه العلماء لها أو ردهم عليها، نسرد كلام ابن عبد الوهاب المتكرر في نفي التكفير بالعموم ونفي تكفير من لم تقم عليه الحجة الرسالية منقولا من "الدرر السنية في الأجوبة النجدية ". نصوص ابن عبد الوهاب في عدم التكفير 1-قال رحمه الله تعالى (1/63):"فإن قال قائلهم : إنهم يكفرون بالعموم فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ؛ الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله، ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج ". 2-وقال (1/73)(1/82):"وأما التكفير : فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا : هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك". 3-وقال أيضا (1/80):"فمنها : إشاعة البهتان، بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلاً عن أن يفتريه ومنها : ما ذكرتم : أني أكفر جميع الناس، إلا من اتبعني، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، فيا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل ؟! وهل يقول هذا مسلم إني أبرأ إلى الله من هذا القول، الذي ما يصدر إلا عن مختل العقل، فاقد الإدراك ؛ فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة" 4-وقال (1/100):" وأما القول : أنا نكفر بالعموم ؟ فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدون به عن هذا الدين ؛ ونقول : ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16] ". 5-سئل الشيخ عما يقاتل عليه وعما يكفر الرجل به فأجاب بجواب مفصل ( 1 /102-104) وجاء في أوله :"ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان ، وأيضا نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر ..وجاء في آخره :" وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم : إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه ؛ فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا : لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر ؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16] 6-وقال (10/113):" وأما ما ذكر الأعداء عني، أني أُكَفِّر بالظن وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله". 7-وقال (10/128):" وكذلك تمويه الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول : الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر ، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو مسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفّر من أشرك بالله في إلهيته، بعدما نبين له الحجة، على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه، دون هذه المشاهد، التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها، وسعى في إزالتها؛ والله المستعان". 8-وقال (10/131):"ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ، ثم عاداه وصد الناس عنه ، وكذلك من عبد الأوثان ، بعدما عرف أنها دين المشركين ، وزينه للناس ، فهذا الذي أكفره ، وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجل معاند أو جاهل " 8-قال (1/34)و(10/14)وهو يعد مسائل البهتان التي نسبها ابن سحيم إليه:"وقوله أني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق ". وقد قال في (2/111):"واعلم أن أشياء من الشرك الأكبر وقع فيه بعض المصنفين على جهالة لم يفطن له من ذلك قوله في البردة : يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم". النصوص التي يتمسك بها المخالفون 1-قال ابن عبد الوهاب (1/71):" وأفادك أيضا الخوف العظيم فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل ". وهذه الرسالة تسمى كشف الشبهات. 2-وذكر في كتاب التوحيد حديث الذي وضع حلقة فقال e :" انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " وقال فيه مسائل :" الثالثة : أنه لم يعذره بالجهالة". (وهو حديث ضعيف). التوفيق بين النصوص القائلون بالتكفير أكثرهم يتجاهلون في مؤلفاتهم –غير الأكاديمية –أقوال ابن عبد الوهاب التي تدل على العذر ولا يسرد إلا النصوص العامة التي تدل على كفر النوع أو أحد النصين المذكورين، ومنهم من أشار إلى الاختلاف الظاهر وزعم أن ابن عبد الوهاب كان يداهن المخالفين في أول دعوته لمصلحة الدعوة ، وهذا افتراء عليه كالافتراء على شيخ الإسلام ابن تيمية السابق ذكره ، ونحن ندفع هذا التعارض بعد حسن الظن بهذا الإمام الناصح بأن أكثر فتاويه مقرونة بالقتال وهو لم يقاتل في أول دعوته ، ومنها ما يصرح فيه بمضي عقود من الزمان على اشتهار دعوته كقوله –كما في الدرر (10/115)-:"إذا كانوا أكثر من عشرين سنة يقرون ليلا ونهارا سرا وجهارا : أن التوحيد الذي أظهر هذا الرجل هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا وأن الذي أنكره هو الشرك ، وهو صادق في إنكاره " وقوله "هذا الرجل"إشارة إلى نفسه. ويزعم آخرون أنه يشترط إقامة الحجة للكفر المعذب عليه (القتال في الدنيا والخلود في النار يوم القيامة )، ومنهم من أيد كلامه النص رقم (7) بأنه لم يحكم بإسلام من وقع في الشرك ولم تقم عليه الحجة . وجوابه أنه أيضا لم يحكم بكفره إذ خص الكفر بمن بينت له الحجة، وكلمة الكفر لها مدلول شرعي يتضمن أحكام الدنيا والآخرة ، وليس في كلام ابن عبد الوهاب ما يوحي بأنه ثمة كفر معذب عليه ، وكفر غير معذب عليه، وفي النص الخامس المنقول قد جمع ابن عبد الوهاب في كلامه بين من يكفر ومن يقاتل وصنفهم إلى أصناف ولم يذكر صنفا يكفره ولا يقاتله. ومن أصح طرق الجمع بين هذه النصوص أن كلامه في كتاب التوحيد وكشف الشبهات محمول على كفر النوع ، وكلامه في المواضع الأخرى محمول على تكفير المعين. كما في ضوابط التكفير لعبد الله القرني (231). وأصح من هذه الطريقة أنه نفى العذر في حق المفرط والمعرض عن سماع الحجة كما قال الشيخ العثيمين معلقا على نص كشف الشبهات (46-47) :" لا أظن الشيخ رحمه الله لا يرى العذر بالجهل ، اللهم إلا أن يكون منه تفريط بترك التعلم مثل أن يسمع بالحق فلا يلتفت إليه ولا يتعلم ، فهذا لا يعذر بالجهل ، وإنما لا أظن ذلك من الشيخ لأن له كلاما آخر يدل على العذر بالجهل فقد سئل عما يقاتل عليه وعما يكفر الرجل به فأجاب : وذكر الشيخ رسالة ابن عبد الوهاب كاملة الذي يصرح فيها بالعذر بالجهل وأنه لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة الرسالية". وعلق رحمه الله تعالى على نص كتاب التوحيد (1/173):"هذا فيه نظر لأن قوله e :"لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " ليست بصريح أنه لو مات قبل العلم ، بل ظاهره :"لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا "أي بعدما علمت وأمرت بنزعها ، وهذه المسألة تحتاج إلى تفصيل ، فنقول الجهل نوعان : جهل يعذر فيه الإنسان وجهل لا يعذر فيه ، فما كان ناشئا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم ، فإنه لا يعذر فيه ، سواء في الكفر أو في المعاصي ، وما كان ناشئا عن خلاف ذلك ، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ، ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه ، فإن كان منتسبا للإسلام لم يضره ، وإن كان منتسبا إلى الكفر فهو كافر في الدنيا لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح يمتحن فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار ". وإذا أصر المخالف على أن للسيخ قولين، قلنا قوله في موافقة الجماعة والدليل أولى من قوله في خلاف الجماعة والدليل . | |
|