sokaty Admin
عدد الرسائل : 5121 تاريخ التسجيل : 06/04/2007
| موضوع: شبهات الغلاة في التكفير (الحلقة الثانية) السبت يونيو 12, 2010 3:52 pm | |
| الشبهة الرابعة: عدم التفريق بين المسلمين والمشركين الأصليين ومن الشبه التي يتمسك بها المخالفون عدم التفريق بين المسلمين الواقعين في الشرك والمشركين الأصليين،وقياسهم عليهم في عدم العذر بالجهل. وخلاصة هذه الحجة عندهم أن الله تعالى وصف المشركين بالشرك قبل قيام الحجة الرسالية في نصوص كثيرة كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)[التوبة:6] فوصفه بالشرك قبل أن يسمع كلام الله تعالى الذي تقوم به الحجة ، وقال : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)[البينة:1] فوصفهم بالشرك قبل أن تأتيهم البينة. ويعللون عدم قيام الحجة عليهم بهذه الظواهر إضافة إلى ما هو متقرر معروف من أن النبي صلى الله عليه و سلم أرسله الله تعالى بعد فتور الرسالات قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[المائدة:19]. ثم انقسم هؤلاء الغلاة إلى فريقين منهم من قال بالتلازم بين الشرك والقتال إلا عذاب الآخرة فيحتاج إلى قيام الحجة، ومنهم من قال لا قتال في الدنيا ولا عذاب في الآخرة حتى تقام الحجة، إلا أنهم كفار لا يصلى عليهم ولا يصلى خلفهم ولا تناكح ولا توارث . والجواب عن هذا من وجوه : أولا : أن وصف الشرك الوارد في حق الكفار والمشركين الأصليين الذين لم يشهدوا لله تعالى بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه و سلم بالرسالة، لا يجوز إيقاعه على المسلمين عينا، والتسوية بين المشركين والمسلمين في الاسم (الكفر) فضلا عن الحكم (القتال والعذاب الأخروي) بين الفريقين ظلم وجور وخلاف الأدلة الشرعية ، والصواب الذي تؤيدة النصوص الشرعية أن المشركين يستحقون هذا الاسم لعدم توحيدهم قبل قيام الحجة ولا يحكم عليهم بالنار إلا بعدم قيامها لصحة الحديث في امتحان أهل الفترة، وأن المسلمين الملتزمين بشريعة الإسلام إجمالا إذا وقعوا في الشرك جهلا ، فهم معذورون وخطأهم مغفور لهم، ولا يصح أن يقال إنهم يمتحنون بدليل النصوص الكثيرة الواردة في العذر في حقهم، كحديث صاحب الوصية الجائرة الذي غفر الله له ، ومن كان مغفورا له في الآخرة فهو مسلم في الدنيا، ولا يمكن وصفه بالشرك في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة. والحديث خرجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى ثُمَّ اسْحَقُونِى ثُمَّ اذْرُونِى فِى الرِّيحِ فِى الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّى لَيُعَذِّبُنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا. قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ لِلأَرْضِ أَدِّى مَا أَخَذْتِ. فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ » واللفظ لمسلم. واختلاف الحكم الأخروي من أبين الحجج على اختلاف الأحكام الدنيوية، إذ لا يدخل الجنة في الآخرة إلا مسلم في الدنيا ، ولا يمتحن أحد يوم القيامة إلا لأنه لم يكن مسلما في الدنيا. ثانيا : ثم إننا لا نوافق على ما يزعمه المخالفون من أن أهل الجاهلية الذي وصفوا في الشرك لم تكن الحجة قائمة عليهم وكانوا في حكم أهل الفترات، بل لم يكونوا منهم وكانت الحجة قائمة عليهم (انظر شرح مسلم للنووي 7/45)، وعلى ذلك دلائل منها: أن إقامة الحجة لا تحتاج إلى وجود رسول ضرورة ، بل يكفى أن يوجد من يعلن بدعوته ، قال الشوكاني في تفسير قوله : ( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[القصص:47] : « ومعنى الآية أنا لو عذبناهم لقالوا طال العهد بالرسل ولم يرسل الله إلينا رسولا ، ويظنون أن ذلك عذر لهم ، ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل ، ولكنا أكملنا الحجة وأزحنا العلة وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم ». ومنها أنه قد كان في أهل الجاهلية من يعبد الله تعالى ولا يشرك به شيئا كزيد بن عمرو بن نفيل، فقد روى أحمد (2/89) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل ( بلدح ) وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منه وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه .» قال الألباني في صحيح السيرة (1/34) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري . ومن الدلائل قول النبي صلى الله عليه و سلم : « أبي وأبوك في النار » وقوله: « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّى فَلَمْ يَأْذَنْ لِى وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِى » وهما في صحيح مسلم، ومعنى هذا أن والديه في النار وهذا يدل على أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترات ، لأنه قد ثبت أن أهل الفترة يمتحنون . ومنها قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[آل عمران: 103]. قال الطبري: وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فأنقذكم بالإيمان الذي هداكم له. وفي الصحيح أيضاً، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: « لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ». وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: 158. ويلزم من يصر على قياس المسلم الذي عرضت له شبهة في مفهوم العبادة بالمشرك الأصلي ومشركي أهل الجاهلية أن يحكم على الجميع بالنار، وهذا ما التزمه بعضهم ممن لا يفرق بين أحكام الدنيا والآخرة ، ولا يشترط إقامة الحجة بإطلاق ، وهذا الرأي أقيس وإن كان أكثر بعدا عن الحق . ثالثا : ولا يمنع أحد من الاستدلال بالآيات الواردة في الكفار الأصليين على فساد الشرك وبيان أسباب الكفر، فلا نزاع في إثبات كفر النوع (إلا نزاع القبوريين ولا عبرة به)، لكن النزاع في إيقاع اسم الشرك والكفر على المعين من المسلمين ، لذلك فإن من لغو الكلام قول بعض الغلاة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، ومن التلبيس التمسك بأنه استدل بها العالم الفلاني والفلاني، لأنهم استدلوا بها على فساد الكفر لا على تكفير المعين.
الشبهة الخامسة : التشكيك في إسلام الناس ولتأكيد عدم الفرق بين المشرك الأصلي وبين المسلم بحث كثير منهم حقيقة الإسلام وكيفية انتقال العبد من الشرك إلى التوحيد، فقرروا أنه لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين للدخول في الإسلام، بل لابد من تحقق شروطها وعلى رأس هذه الشروط العلم بمعناها وكذلك لابد من العمل بمقتضاها، وربما أوردوا كلاما لبعض أهل العلم يؤيدون به كلامهم كقول المودودي في المصطلحات الأربعة في القرآن (7):« إذا كان الإنسان لا يعرف ما الإله وما معنى الرب وما العبادة وما تطلق عليه كلمة الدين ، فلا جرم أن القرآن يعود في نظره كلاما مهملا لا يفهم من معانيه شيئا ، فلا يقدر أن يعرف حقيقة التوحيد أو يتفطن إلى ماهية الشرك ، ولا يستطيع أن يخص عبادته بالله سبحانه أو يخلص دينه له ». وقرروا أنه لابد من الكفر بالطاغوت لصحة الإيمان ، وبناء على ذلك يقولون إن هؤلاء الذين تدافعون عنهم ولا تريدون تكفيرهم ، ليسوا من المسلمين وأنه لا فرق بينهم وبين المشركين الأصليين واليهود والنصارى ، لأن شهادتهم غير صحيحة لم تتوفر فيها شروط القبول . والجواب عن هذا من وجوه: أولا : أن اشتراط العلم بمدلول كلمة التوحيد أمر لا غبار عليه ، لكن من قال إن المسلمين يجهلون معنى الشهادة جهلا تاما كما يجهلها الأعجمي الذي لا يفهم العربية، فإن فهم المعنى الإجمالي لهذه الكلمة موجود في المسلمين اليوم جميعا عربيهم وأعجميهم ، من سلم من الوقوع في مظاهر الشرك ومن لم يسلم، كما أنهم ملتزمون الالتزام المجمل بالشريعة وهذا هو المطلوب للحكم عليهم بالإسلام. ثانيا : إن جهل بعض المسلمين لبعض مظاهر الشرك أو بعض نواقض الإسلام لا يعني أنهم يجهلون مدلول كلمة التوحيد بإطلاق وأنها لا تنفعهم، كما أن عملهم بما يناقض الشريعة جهلا أو تأولا لا يعني أنهم غير ملتزمين بها، فشرط العلم متحقق في الجملة، لكن يقع التقصير في بعض جزئياته وقد تقع المخالفة العملية منهم دون شعور بمناقضة ذلك للتوحيد، لذلك يشترط أهل السنة إقامة الحجة على المعين قبل تكفيره . ثالثا : ويقال لمن عاند في هذا ما هو حد العلم المطلوب ؟ هل تقصدون أن يكون عالما بمعنى لا إله إلا الله معرفة مفصلة على نحو معرفة العلماء الربانيين ، فهذا لا يقوله عاقل، ويلزم منه تكفير كثير من الغلاة في التكفير لأنهم يخطئون في تفسير كلمة التوحيد حيث يخصونها بالحاكمية، ويلزم منه تكفير جميع علماء الأشعرية الذين يفسرون كلمة التوحيد بالقدرة على الاختراع والوجود ونحو ذلك، وهذا لا يقوله أحد يدري ما يقول. قال حافظ حكمي في شرحه لشروط لا إله إلا الله في معارج القبول (2/418) ومعنى استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها، وليس المراد من ذلك عدّ ألفاظها وحفظها، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها، ولو قيل له اعددها لم يحسن ذلك، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها والتوفيق بيد الله والله المستعان). رابعا : لابد أن يتنبه من احتج بهذه الحجة (عدم فهم الناس لكلمة التوحيد وتحقيق شروطها) أن لازم كلامه ليس فقط تكفير من وقع في مظاهر الشرك جهلا، بل تكفير جميع المسلمين الذين لم يحققوا تلك الشروط على وفق ما يتخيله ونحو ما يتصوره ، وهذا قد التزمه طوائف من الغلاة في التكفير كجماعة التكفير والهجرة وأهل التوقف والتبين، وهو لازم لغيرهم ممن قد يتبرأ منهم ويشاركهم في هذه الحجة . خامسا : أن هؤلاء العلماء الذين أسندوا إليهم تلك المقدمات التي بنوا عليها التسوية بين المشركين والمسلمين الذين لم يحققوا العلم المفصل بمعنى الشهادتين ، هل كانوا يقولون بأقوال الغلاة في التكفير على اختلاف مراتبهم في الغلو؟ الجواب :لا بلا مرية، فهذا المودودي يقول في الكتاب نفسه (11):« ومن الحق الذي لا مراء فيه أنه قد خفي على الناس معظم تعاليم القرآن ، بل غابت عنهم روحه السامية وفكرته المركزية لمجرد ما غشي هذه المصطلحات الأربعة من حجب الجهل ، وذلك من أكبر الأسباب التي تطرق لأجلها الوهن والضعف إلى عقائدهم وأعمالهم على رغم قبولهم دين الإسلام وكونهم في عداد المسلمين »، وقال في موضع آخر :« يجب ملاحظة قضية تكفير المسلم والاحتياط في هذه المسألة احتياطا كاملا يتساوى مع الاحتياط في إصدار فتوى بقتل شخص ما ، وعلينا أن نلاحظ أن في قلب كل مسلم يؤمن بالتوحيد ولا إله إلا الله إيمانا ، فإذا صدر منه شائبة من شوائب الكفر فيجب أن نحسن الظن ونعتبر هذا مجرد جهل منه وعدم فهم وأنه يقصد بهذا التحول من الإيمان على الكفر، لأنه لا يجب أن نصدر ضده فتوى بالكفر بمجرد أن نستمع إلى قوله ، بل يجب علينا أن نفهمه بطريقة طيبة ونشرح له ما أشكل عليه ونبين له الخطأ من الصواب» (نقلا عن ضوابط التكفير لعبد الله القرني 72). سادسا : ومقصود كثير منهم من تقرير هذه المعاني اعتبار مناقشة شروط التكفير وموانعه لغوا لا معنى له لأنها بحثها إنما هو في حق المسلمين؛ وهؤلاء المختلف فيهم عندهم مشركون أصليون. ويصبح جوابهم عن قول ابن حزم مثلا في الفصل (3/138): «إن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلا بنص أو إجماع » هذا فيمن ثبت إسلامه وهؤلاء الذين تدافعون عنهم لم يثبت إسلامهم. تطبيقات بعض الغلاة بعد أن قرر صاحب المجهر (67-69) أن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان، وهذا لا خلاف فيه قال :« ويبقى سؤال أريد من أخي القارئ الإجابة عليه، وهو من لم يخلع الأنداد أو الأوثان أو عبادة الطواغيت أو ارتضى طاغوتا يسوس العباد ويحكم فيهم بما شاء من تشريعات وأحكام دون الله ورسوله صلى الله عليه و سلم فهل هذا كفر بالطاغوت أم آمن به؟». وينبغي التنبه إلى أنه قال هذا في بحث كيفية انتقال العبد من الشرك إلى الإسلام، لا في بحث النواقض أو أسباب الردة، وأهل الغلو عموما يخلطون في هذا الباب خلطا عظيما بين الأمرين، وعلى قول صاحب المجهر فإننا إذا دعونا نصرانيا أو وثنيا إلى الإسلام فإنه لا يكون مسلما حتى يكفر بالأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية جميعا، فإن أبى لم تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لست ألزمه هذا فقد صرح بنحوه في الصفحة (72). والذي يدفعهم إلى مثل هذا الخلط والتزام هذه اللوازم، هو ذاك السؤال الذي لم يجدوا له جوابا مقنعا، كيف تجعلون من أتى بالشهادة ومن لم يأت بها من اليهود والنصارى والمشركين سواء ؟ وصاحب المجهر بحث في أحكام الردة وفاته من نصوص الفقهاء قولهم :« وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ أَوْ أَذَّنَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ ». وكذلك حقق مذهب ابن عبد الوهاب وفاته قول عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في مصباح الظلام (52-53) :« وإنما تكلم الناس في بلاد المشركين الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين ، ويجعلونهم أندادا لله رب العالمين ، أو يسندون إليهم التصرف والتدبير كغلاة القبوريين ، فهؤلاء تكلم الناس في كفرهم وشركهم وضلالهم ، والمعروف المتفق عليه : أن من فعل ذلك ممن أتى بالشهادتين يحكم عليه بعد بلوغ الحجة بالكفر والردة ولم يجعلوه كافرا أصليا ».
الشبهة السادسة : عدم تأثير الجهل في أحكام الردة من شبهات نفاة العذر بالجهل إيرادهم كلام بعض أهل العلم المتأخرين في باب الردة، حيث لم يذكروا إقامة الحجة، وذكروا الاستتابة بعد الحكم بالردة، ومن اعتمد الشبه السابقة مع هذه متناقض، إلا أن يقول إنما نذكر هذا جدلا أي إذا سلمنا لكم أن هؤلاء الواقعين في الشرك كانوا مسلمين فهم واقعون في أسباب الردة وهذه لا يعتبر فيها عارض الجهل، لأنه لا معنى للحديث عن ردة من لم يثبت إسلامه عنده، وإني أعلم علم اليقين أن بعضهم إنما يتصيد أي كلام فيه نفي العذر بالجهل ولا يشعر أن الكلام الذي ينقله يدفع بعضه بعضا. الجواب وعن هذه الشبهة من وجوه: أولا : لا حجة في كلام فقهاء المذاهب إلا إذا كانوا مجتهدين ثم اتفقوا على رأي لأنه يكون حينئذ إجماعا معتبرا، وأما نقل كلام أصحاب المتون والشراح من المقلدة المتأخرين وتكراره فلا يفيد حجية إلا على المقلدين لتلك المذاهب. وليس في ذلك اتفاق كما سيأتي إذ من الفقهاء المجتهدين من نص على اشتراط العلم في غير الأمور المشهورة كابن قدامة في الكافي الذي قال بعد أن ذكر أسباب الردة :« لأن أدلة هذه الأمور الظاهرة ظاهرة في كتاب الله و سنة رسوله فلا يصدر إنكارها إلا من مكذب لكتاب الله و سنة رسوله ». ثانيا : الكلام عن الردة في كتب الفقه إن كان كلاما في حكم الأفعال والأقوال وهو كفر النوع فهذا لا مدخل للعوارض فيه لا نفيا ولا إثباتا، لأن الذي يحتاج فيه إلى تفصيل هو الحكم على المعين، وإن كان تعدادا لأمور لا يقبل فيها دعوى الجهل كالقول بقدم العالم وتناسخ الأوراح أو الحلول أو ادعاء النبوة أو تجويز اكتسابها فهذا سواء سكتوا فيه عن نفي العذر أو صرحوا بنفيه أمر لا خلاف فيه. ثالثا : من الفقهاء من يصرح بنفي العذر وهو يقصد نفي الاعتذار بالجهل في الأحكام القضائية، فمعنى كلامه نفي قبوله لنفي العقوبة وحكم الردة عند القاضي خاصة فيما يستوجب إقامة الحد دون استتابة، وليس المقصود نفي العذر مطلقا. ولهذا نعد من الخطأ نقل بعض الفقهاء:« ولا يجوز أن يعذر أحد بدعوى الجهل » في هذا الموضع، فالعذر بالجهل شيء والاعتذار عند القاضي بالجهل شيء آخر، وفي سب الله تعالى أو دينه أو رسوله نص كثير من العلماء على عدم قبول أي عذر ولو زعم أنه زل لسانه ففي المعيار المعرب (2/543) :« سئل ابن أبي زيد القيرواني عن رجل لعن الله فقال إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني، فأجاب ابن أبي زيد :"يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره وأما بينه وبين الله فمعذور ». ولأجل هذا النظر القضائي المبني على الحكم بالظاهر منهم من نص على صحة ردة السكران مع أن السكران مغلق على عقله. رابعا : ومع ذلك نقول إن اشتراط قيام الحجة موجود في كلام الفقهاء، فقد تكلم بعضهم عن حالات استثنوها كمن نشأ في بادية بعيدة أو حديث عهد بإسلام ، ونصهم على هاتين الحالتين دليل على اعتبار عارض الجهل، لأنه المعنى المشترك الموجود فيهما، ومن الكلام الذي أوردهم بعضهم في دلالة على هذا المعنى قول السيوطي في الأشباه والنظائر (176):« كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس اليوم لم يقبل منه إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة » وهو حجة عليه . ومنهم من أورد قول ابن إبراهيم مفتي السعودية السابق:« قسم يجحد ما علم أن الرسول جاء به وخالف ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به؛ فهذا يكفر بمجرد ذلك، [سواء في الأصول أو الفروع]، ولا يحتاج إلى تعريف ما لم يكن حديث عهد بالإسلام ». وهذا كلام صحيح لا غبار عليه لأن الحجة قائمة عليه ، وهذا نص كلامه كاملا من الفتاوى والرسائل (12/199):« تنقسم الأشياء التي يرتد بها إلى ثلاث أقسام : القسم الأول : يجحد ما علم أن الرسول جاء به وخالف ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به ؛ فهذا يكفر بمجرد ذلك ، سواء في الأصول أو الفروع ، ولا يحتاج إلى تعريف ما لم يكن حديث عهد بالإسلام . والقسم الثاني : ما يخفي دليله ؛ فهذا لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة ، وبعدما تقام عليه الحجة يكفر سواء فهم أو قال ما فهمت أو فهم ووضحت له الحجة بالبيان الكافي ؛ ليس كفر الكفار كله عن عناد ؛ بل العناد قسم من أقسامه .... والقسم الثالث : أشياء تكون غامضة فهذه لا يكفر الشخص ولو بعد ما أقيمت عليه الدلالة ، وسواء كانت في الفروع أو في الأصول،.. فعرفنا من هذا أنه لا تكفير لأحد إلا بعد قيام الحجة عليه. فالقسم الأول ظاهر ، والقسم الأوسط هو محل هذا في الغالب ، لا الثالث ». ومن أسباب الردة المعلومة تعطيل صفات رب العالمين ، ومع ذلك فالثابت عن العلماء عدم تكفير الجهمية بأعيانهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (12/488-489):" ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه. واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوا به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ". | |
|