موضوع: لو بلغت ذنوبك عنان السماء الإثنين يونيو 14, 2010 3:26 am
لو بلغت ذنوبك عنان السماء
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعترسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنانالسماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرضخطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) تخريج الحديث الحديث رواه الترمذي من بين أصحاب الكتب الستة، وصححه ابن القيم، وحسنه الشيخالألباني. غريب الحديث عنان السماء: وهو السحاب وقيل ما انتهى إليه البصرمنها. قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها. إنك ما دعوتني ورجوتني: أي مادمت تدعوني وترجوني. ولا أبالي: أي إنه لا تعظم علي مغفرة ذنوبك وإن كانت كبيرةوكثيرة. منزلة الحديث هذا الحديث من أرجى الأحاديث في السنة، ففيه بيان سعةعفو الله تعالى ومغفرته لذنوب عباده، وهو يدل على عظم شأن التوحيد، والأجر الذيأعده الله للموحدين، كما أن فيه الحث والترغيب على الاستغفار والتوبة والإنابة إلىالله سبحانه وتعالى. أسباب المغفرة وقد تضمن هذا الحديث أهم ثلاثة أسبابتحصل بها مغفرة الله وعفوه عن عبده مهما كثرت ذنوبه وعظمت، وهذه الأسباب هي: 1- الدعاء مع الرجاء فقد أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم عليه بالإجابة فقالسبحانه: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَيَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر60)،وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العباده وقرأ هذه الآية) رواه أحمد ، ولكنهذا الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، فقد تتخلف الإجابةلانتفاء بعض الشروط والآداب أو لوجود بعض الموانع. ومن أعظم شروط الدعاء حضورالقلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذيرواه الترمذي : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءمن قلب غافل لاه) ، ولهذا أُمِر العبد أن يعزم في المسألة وألا يقول في دعائه اللهماغفر لي إن شئت، ونُهِي أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجُعِل ذلك منموانع الإجابة حتى لا يقطع العبد حبل الرجاء ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحبالملحين في الدعاء، وما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في الإجابة مع عدم قطعالرجاء، فإن الله يستجيب له ويبلغه مطلوبه ولو بعد حين، ومن أدمن قرع الباب يوشك أنيفتح له. 2- الاستغفار مهما عظمت الذنوب السبب الثاني من أسباب المغفرةالمذكورة في الحديث، هو الاستغفار مهما عظمت ذنوب الإنسان، حتى لو بلغت من كثرتهاعنان السماء وهو السحاب أو ما انتهى إليه البصر منها. وقد ورد ذكر الاستغفار فيالقرآن كثيراً فتارة يأمر الله به كقوله سبحانه: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّاللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المزمل20)، وتارة يمدح أهله كقوله تعالى: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } (آل عمران 17)، وتارة يذكر جزاء فاعله كقولهتعالى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِاللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} (النساء110). والاستغفار الذي يوجبالمغفرة هو الاستغفار مع عدم الإصرار على المعصية والذنب، وهو الذي مدح الله تعالىأهله ووعدهم بالمغفرة في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْيَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْيَعْلَمُونَ} (آل عمران135)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - قال: (أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنبعبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفرلي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذبالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبافعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك) والمعنى أي مادمت على هذ الحال كلما أذنبت استغفرت من ذنبك، قال بعض الصالحين: "من لم يكن ثمرةاستغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره"، وكان بعضهم يقول: "استغفارنا هذايحتاج إلى استغفار كثير". وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه،ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح: (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأناعبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليوأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال ومن قالها من النهارموقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنبها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) ومن صيغ الاستغفار العظيمة ما ورد فيالحديث الصحيح عند الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال أستغفرالله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف) . 3- التوحيد الخالص السبب الثالث من أسباب المغفرة تحقيق التوحيد، وهو منأهم الأسباب وأعظمها، فمن فقدَه فقَدَ المغفرة، ومن جاء به فقَدْ أتى بأعظم أسبابالمغفرة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماًعَظِيماً} (النساء48)، والتوحيد في الحقيقة ليس مجرد كلمة تنطق باللسان من غير فقهلمعناها، أو عمل بمقتضاها، إذاً لكان المنافقون أسعد الناس بها، فقد كانوا يرددونهابألسنتهم صباح مساء ويشهدون الجمع والجماعات، ولكنه في الحقيقة استسلام وانقياد،وطاعة لله ولرسوله، وتعلق القلب بالله سبحانه محبة وتعظيما، وإجلالا ومهابة، وخشيةورجاء وتوكلا، كل ذلك من مقتضيات التوحيد ولوازمه، وهو الذي ينفع صاحبه يوم الدين.